responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 180
وَأَنَّ تِلَادِي إِنْ نَظَرْتُ وَشِكَّتِي ... وَمُهْرِي وَمَا ضَمَّتْ إليّ الأنامل

جباؤك وَالْعِيسُ الْعِتَاقُ كَأَنَّهَا ... هِجَانُ الْمَهَى تُزْجَى عَلَيْهَا الرَّحَائِلُ
وَأَبُو الْفَتْحِ ابْنُ جِنِّي يُسَمِّي الِالْتِفَاتَ «شَجَاعَةَ الْعَرَبِيَّةِ» كَأَنَّهُ عَنَى أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى حِدَّةِ ذِهْنِ الْبَلِيغِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ تَصْرِيفِ أَسَالِيبِ كَلَامِهِ كَيْفَ شَاءَ كَمَا يَتَصَرَّفُ الشُّجَاعُ فِي مَجَالِ الْوَغَى بِالْكَرِّ وَالْفَرِّ.
وَ (إِيَّاكَ) ضَمِيرُ خِطَابٍ فِي حَالَةِ النَّصْبِ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ كَلِمَةَ إِيَّا جُعِلَتْ لِيَعْتَمِدَ عَلَيْهَا الضَّمِيرُ عِنْدَ انْفِصَالِهِ وَلِذَلِكَ لَزِمَتْهَا الضَّمَائِرُ نَحْوُ: إِيَّايَ تَعْنِي، وَإِيَّاكَ أَعْنِي، وَإِيَّاهُمْ أَرْجُو.
وَمن هُنَا لَك الْتُزِمَ فِي التَّحْذِيرِ لِأَنَّ الضَّمِيرَ انْفَصَلَ عِنْدَ الْتِزَامِ حَذْفِ الْعَامِلِ. وَمِنَ النُّحَاةِ مَنْ جَعَلَ (إِيَّا) ضَمِيرًا مُنْفَصِلًا مُلَازِمًا حَالَةً وَاحِدَةً وَجَعْلَ الضَّمَائِرَ الَّتِي مَعَهُ أُضِيفَتْ إِلَيْهِ لِلتَّأْكِيدِ. وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ (إِيَّا) هُوَ الضَّمِيرُ وَجَعَلَ مَا بَعْدَهُ حُرُوفًا لِبَيَانِ الضَّمِيرِ. وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ (إِيَّا) اعْتِمَادًا لِلضَّمِيرِ كَمَا كَانَتْ أَيُّ اعْتِمَادًا لِلْمُنَادَى الَّذِي فِيهِ الْ. وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ (إِيَّا) اسْمًا ظَاهِرًا مُضَافًا لِلْمُضْمَرَاتِ.
وَالْعِبَادَةُ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الْخُضُوعِ أَوِ التَّعْظِيمِ الزَّائِدَيْنِ عَلَى الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ. وَأَمَّا إِطْلَاقُهَا عَلَى الطَّاعَةِ فَهُوَ مَجَازٌ. وَالْعِبَادَةُ فِي الشَّرْعِ أَخَصُّ فَتُعَرَّفُ بِأَنَّهَا فِعْلُ مَا يُرْضِي الرَّبَّ مِنْ خُضُوعٍ وَامْتِثَالٍ وَاجْتِنَابٍ، أَوْ هِيَ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ عَلَى خِلَافِ هَوَى نَفْسِهِ تَعْظِيمًا لِرَبِّهِ، وَقَالَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56] ((الْعِبَادَةُ تَعْظِيمُ أَمْرِ اللَّهِ وَالشَّفَقَةُ عَلَى الْخَلْقِ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الشَّرَائِعُ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي الْوَضْعِ وَالْهَيْئَةِ والقلة وَالْكَثْرَة)) اهـ فَهِيَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ تَشْمَلُ الِامْتِثَالَ لِأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ كُلِّهَا.
وَقَدْ فَسَّرَ الصُّوفِيَّةُ الْعِبَادَةَ بِأَنَّهَا فِعْلُ مَا يُرْضِي الرَّبَّ، وَالْعُبُودِيَّةُ بِالرِّضَا بِمَا يَفْعَلُ الرَّبُّ. فَهِيَ أَقْوَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعُبُودِيَّةُ الْوَفَاءُ بِالْعُهُودِ، وَحِفْظُ الْحُدُودِ، وَالرِّضَا بِالْمَوْجُودِ. وَالصَّبْرُ عَلَى الْمَفْقُودِ. وَهَذِهِ اصْطِلَاحَاتٌ لَا مُشَاحَّةَ فِيهَا.
قَالَ الْفَخْرُ: ((مَرَاتِبُ الْعِبَادَةِ ثَلَاثٌ: الْأُولَى أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ طَمَعًا فِي الثَّوَابِ وَخَوْفًا مِنَ الْعِقَابِ وَهِيَ الْعِبَادَةُ، وَهِيَ دَرَجَةٌ نَازِلَةٌ سَاقِطَةٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْحَقَّ وَسِيلَةً لِنَيْلِ الْمَطْلُوبِ.
الثَّانِيَةُ أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ لِأَجْلِ أَنْ يَتَشَرَّفَ بِعِبَادَتِهِ وَالِانْتِسَابِ إِلَيْهِ بِقَبُولِ تَكَالِيفِهِ وَهِيَ أَعْلَى مِنَ الْأُولَى إِلَّاُُ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 180
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست