responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 186
وَبَرَاءَةً مِنْ صَنِيعِهِمْ فَقَدْ كَانُوا يَسْتَعِينُونَ بِآلِهَتِهِمْ. وَمِنْ ذَلِكَ الِاسْتِقْسَامُ بِالْأَزْلَامِ الْمَوْضُوعَةِ عِنْدَ الْآلِهَةِ وَالْأَصْنَامِ.
وَضَمِيرَا نَعْبُدُ ونَسْتَعِينُ يَعُودَانِ إِلَى تَالِي السُّورَةِ ذَاكِرًا مَعَهُ جَمَاعَةَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَفِي الْعُدُولِ عَنْ ضَمِيرِ الْوَاحِدِ إِلَى الْإِتْيَانِ بِضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ الْمُشَارِكِ الدَّلَالَةَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَحَامِدَ صَادِرَةٌ مِنْ جَمَاعَاتٍ، فَفِيهِ إِغَاظَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ إِذْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ صَارُوا فِي عِزَّةٍ وَمَنَعَةٍ، وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الثَّنَاءِ مِنْ أَعْبُدَ وَأَسْتَعِينَ لِئَلَّا تَخْلُوَ الْمُنَاجَاةُ عَنْ ثَنَاءٍ أَيْضًا بِأَنَّ الْمَحْمُودَ الْمَعْبُودَ الْمُسْتَعَانَ قَدْ شَهِدَ لَهُ الْجَمَاعَاتُ وَعَرَفُوا فَضْلَهُ، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا قَوْلُ النَّابِغَةِ فِي رِثَاءِ النُّعْمَانِ بْنِ الْحَارِثِ الْغَسَّانِيِّ:
قُعُودًا لَهُ غَسَّانُ يَرْجُونَ أَوْبَةً ... وَتُرْكٌ وَرَهْطُ الْأَعْجَمِينَ وَكَابُلُ
إِذْ قَصَدَ مِنْ تَعْدَادِ أَصْنَافٍ مِنَ الْأُمَمِ الْكِنَايَةَ عَنْ عَظَمَةِ النُّعْمَانِ وَكَثْرَةِ رَعِيَّتِهِ. فَكَأَنَّ الْحَامِدَ لَمَّا انْتَقَلَ مِنَ الْحَمْدِ إِلَى الْمُنَاجَاةِ لَمْ يُغَادِرْ فُرْصَةً يَقْتَنِصُ مِنْهَا الثَّنَاءَ إِلَّا انتهزها.
وَوَجهه تَقْدِيمِ قَوْلِهِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ عَلَى قَوْلِهِ: وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ أَنَّ الْعِبَادَةَ تَقَرُّبٌ لِلْخَالِقِ تَعَالَى فَهِيَ أَجْدَرُ بِالتَّقْدِيمِ فِي الْمُنَاجَاةِ، وَأَمَّا الِاسْتِعَانَةُ فَهِيَ لِنَفْعِ الْمَخْلُوقِ لِلتَّيْسِيرِ عَلَيْهِ فَنَاسَبَ أَنْ يُقَدِّمَ الْمُنَاجِي مَا هُوَ مِنْ عَزْمِهِ وَصُنْعِهِ عَلَى مَا يَسْأَلُهُ مِمَّا يُعِينُ عَلَى ذَلِكَ،
وَلِأَنَّ الِاسْتِعَانَةَ بِاللَّهِ تَتَرَكَّبُ عَلَى كَوْنِهِ مَعْبُودًا لِلْمُسْتَعِينِ بِهِ وَلِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا تُطْلَبُ الْإِعَانَةُ عَلَيْهِ الْعِبَادَةُ فَكَانَتْ مُتَقَدِّمَةً عَلَى الِاسْتِعَانَةِ فِي التَّعَقُّلِ. وَقَدْ حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ التَّقْدِيمِ أَيْضًا إِيفَاءُ حَقِّ فَوَاصِلِ السُّورَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْحَرْفِ السَّاكِنِ الْمُتَمَاثِلِ أَوِ الْقَرِيبِ فِي مَخْرَجِ اللِّسَانِ.
وَأُعِيدَ لَفْظُ إِيَّاكَ فِي الِاسْتِعَانَةِ دُونَ أَنْ يَعْطِفَ فِعْلَ نَسْتَعِينُ عَلَى نَعْبُدُ مَعَ أَنَّهُمَا مَقْصُودَانِ جَمِيعًا كَمَا أَنْبَأَ عَنْهُ عَطْفُ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ لِأَنَّ بَيْنَ الْحَصْرَيْنِ فَرْقًا، فَالْحَصْرُ فِي إِيَّاكَ نَعْبُدُ حَقِيقِيٌّ وَالْقَصْرُ فِي إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ادِّعَائِيٌّ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ قَدْ يَسْتَعِينُ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى كَيْفَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى [الْمَائِدَة: 2] وَلَكِنَّهُ لَا يَسْتَعِينُ فِي عَظَائِمِ الْأُمُورِ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا يَعُدُّ الِاسْتِعَانَةَ حَقِيقَةً إِلَّا الِاسْتِعَانَةَ بِاللَّهِ تَعَالَى

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 186
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست