responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 191
وَالْمُسْتَقِيمُ اسْمُ فَاعِلِ اسْتَقَامَ مُطَاوِعٌ قَوَّمْتُهُ فَاسْتَقَامَ، وَالْمُسْتَقِيمُ الَّذِي لَا عِوَجَ فِيهِ وَلَا تَعَارِيجَ، وَأَحْسَنُ الطُّرُقِ الَّذِي يَكُونُ مُسْتَقِيمًا وَهُوَ الْجَادَّةُ لِأَنَّهُ بِاسْتِقَامَتِهِ يَكُونُ أَقْرَبَ إِلَى الْمَكَانِ الْمَقْصُودِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَضِلُّ فِيهِ سَالِكُهُ وَلَا يَتَرَدَّدُ وَلَا يَتَحَيَّرُ.
وَالْمُسْتَقِيمُ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلْحَقِّ الْبَيِّنِ الَّذِي لَا تَخْلِطُهُ شُبْهَةُ بَاطِلٍ فَهُوَ كَالطَّرِيقِ الَّذِي لَا تَتَخَلَّلُهُ بُنَيَّاتٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ دِينُ الْحَقِّ، وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ مِلَّةُ الْإِسْلَامِ، فَكَلَامُهُ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَلَا يُرِيدُ أَنَّهُمْ لُقِّنُوا الدُّعَاءَ بِطَلَبِ الْهِدَايَةِ إِلَى دِينٍ مَضَى وَإِنْ كَانَتِ الْأَدْيَانُ الْإِلَهِيَّةُ كُلُّهَا صُرُطًا مُسْتَقِيمَةً بِحَسَبِ أَحْوَالِ أُمَمِهَا يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي حِكَايَةِ غِوَايَةِ الشَّيْطَانِ: قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ [الْأَعْرَاف: 16] .
فَالتَّعْرِيفُ فِي (الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ) تَعْرِيفُ الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ، لِأَنَّهُمْ سَأَلُوا الْهِدَايَةَ لِهَذَا الْجِنْسِ فِي ضِمْنِ فَرْدٍ وَهُوَ الْفَرْدُ الْمُنْحَصِرُ فِيهِ الِاسْتِقَامَةُ لِأَنَّ الِاسْتِقَامَةَ لَا تَتَعَدَّدُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ [يُونُس: 32] وَلِأَنَّ الضَّلَالَ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ كَمَا قَالَ:
وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ [الْمَائِدَة: 100] وَقَدْ يُوَجَّهُ هَذَا التَّفْسِيرُ بِحُصُولِ الْهِدَايَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ فَعَلَّمَهُمُ اللَّهُ هَذَا الدُّعَاءَ لِإِظْهَارِ مِنَّتِهِ وَقَدْ هَدَاهُمُ اللَّهُ بِمَا سَبَقَ مِنَ الْقُرْآنِ قَبْلَ نُزُولِ الْفَاتِحَةِ وَيَهْدِيهِمْ بِمَا لَحِقَ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْإِرْشَادِ النَّبَوِيِّ. وَإِطْلَاقُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَرَدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً [الْأَنْعَام:
161] .
وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الْمَعَارِفُ الصَّالِحَاتُ كُلُّهَا مِنَ اعْتِقَادٍ وَعَمَلٍ بِأَنْ يُوَفِّقَهُمْ إِلَى الْحَقِّ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الضَّلَالِ عَلَى مَقَادِيرِ اسْتِعْدَادِ النُّفُوسِ وَسَعَةِ
مَجَالِ الْعُقُولِ النَّيِّرَةِ وَالْأَفْعَالِ الصَّالِحَةِ بِحَيْثُ لَا يَعْتَرِيهِمْ زَيْغٌ وَشُبْهَاتٌ فِي دِينِهِمْ وَهَذَا أَوْلَى لِيَكُونَ الدُّعَاءُ طَلَبَ تَحْصِيلِ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ وَقْتَ الطَّلَبِ وَإِنَّ الْمَرْءَ بِحَاجَةٍ إِلَى هَذِهِ الْهِدَايَةِ فِي جَمِيع شؤونه كُلِّهَا حَتَّى فِي الدَّوَامِ عَلَى مَا هُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ لِلْوِقَايَةِ مِنَ التَّقْصِيرِ فِيهِ أَوِ الزَّيْغِ عَنْهُ. وَالْهِدَايَةُ إِلَى الْإِسْلَامِ لَا تُقْصَرُ عَلَى ابْتِدَاءِ اتِّبَاعِهِ وَتَقَلُّدِهِ بَلْ هِيَ مُسْتَمِرَّةٌ بِاسْتِمْرَارِ تَشْرِيعَاتِهِ وَأَحْكَامِهِ بِالنَّصِّ أَوِ الِاسْتِنْبَاطِ. وَبِهِ يَظْهَرُ مَوْقِعُ قَوْلِهِ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ مُصَادِفًا الْمِحَزِّ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 191
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست