responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 196
إِلَى ضِدِّ مَوْصُوفِهَا وَهُوَ ضِدٌّ وَاحِدٌ أَيْ إِلَى مُسَاوِي نَقِيضِهِ تَعَيَّنَتْ لَهُ الْغَيْرِيَّةُ فَصَارَتْ صِفَةً ثَابِتَةً لَهُ غَيْرَ مُنْتَقِلَةٍ، إِذْ غَيْرِيَّةُ الشَّيْءِ لِنَقِيضِهِ ثَابِتَةٌ لَهُ أَبَدًا فَقَوْلُكَ عَلَيْكَ بِالْحَرَكَةِ غَيْرِ السُّكُونِ هُوَ غَيْرُ قَوْلِكَ مَرَرْتُ بِزَيْدٍ غَيْرِ عَمْرٍو وَقَوْلُهُ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّوْعِ الْأَوَّلِ.
وَمِنْ غَرَضِ وَصْفِ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ التَّعَوُّذُ مِمَّا عَرَضَ لِأُمَمٍ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالْهِدَايَةِ إِلَى صِرَاطِ الْخَيْرِ بِحَسَبِ زَمَانِهِمْ بِدَعْوَةِ الرُّسُلِ إِلَى الْحَقِّ فَتَقَلَّدُوهَا ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِمْ سُوءُ الْفَهْمِ فِيهَا فَغَيَّرُوهَا وَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا، وَالتَّبَرُّؤُ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مِثْلَهُمْ فِي بَطَرِ النِّعْمَةِ وَسُوءِ الِامْتِثَالِ وَفَسَادِ التَّأْوِيلِ وَتَغْلِيبِ الشَّهَوَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ عَلَى إِقَامَةِ الدِّينِ حَتَّى حَقَّ عَلَيْهِمْ غَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَا التَّبَرُّؤُ مِنْ حَالِ الَّذِينَ هُدُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فَمَا صَرَفُوا عِنَايَتَهُمْ لِلْحِفَاظِ عَلَى السَّيْرِ فِيهِ بِاسْتِقَامَةٍ، فَأَصْبَحُوا مِنَ الضَّالِّينَ بَعْدَ الْهِدَايَةِ إِذْ أَسَاءُوا صِفَةَ الْعِلْمِ بِالنِّعْمَةِ فَانْقَلَبَتْ هِدَايَتُهُمْ ضَلَالًا.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَمْ يَحِقَّ عَلَيْهِمْ غَضَبُ اللَّهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُمْ ضَلُّوا عَنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ فَلَمْ يَسْبِقْ غَضَبُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ قَدِيمًا وَالْيَهُودُ مِنْ جُمْلَةِ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ، وَالنَّصَارَى مِنْ جُمْلَةِ الْفَرِيقِ الثَّانِي كَمَا يُعْلَمُ مِنَ الِاطِّلَاعِ عَلَى تَارِيخِ ظُهُورِ الدِّينَيْنِ فِيهِمْ. وَلَيْسَ يَلْزَمُ اخْتِصَاصُ أَوَّلِ الْوَصْفَيْنِ بِالْيَهُودِ وَالثَّانِي بِالنَّصَارَى فَإِنَّ فِي الْأُمَمِ أَمْثَالَهُمْ وَهَذَا الْوَجْهُ فِي التَّفْسِيرِ هُوَ الَّذِي يَسْتَقِيمُ مَعَهُ مَقَامُ الدُّعَاءِ بِالْهِدَايَةِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَلَو كَانَ المرادين الْيَهُودِيَّةِ وَدِينَ النَّصْرَانِيَّةِ لَكَانَ الدُّعَاءُ تَحْصِيلًا لِلْحَاصِلِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ جَاءَ نَاسِخًا لَهُمَا.
وَيَشْمَلُ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ وَالضَّالُّونَ فِرَقَ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ، فَالْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ جِنْسٌ لِلْفِرَقِ الَّتِي تَعَمَّدَتْ ذَلِكَ وَاسْتَخَفَّتْ بِالدِّيَانَةِ عَنْ عَمْدٍ أَوْ عَنْ تَأْوِيلٍ بَعِيدٍ جِدًّا، وَالضَّالُّونَ جِنْسٌ لِلْفِرَقِ الَّتِي أَخْطَأَتِ الدِّينَ عَنْ سُوءِ فَهْمٍ وَقِلَّةِ إِصْغَاءٍ وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ مَذْمُومٌ لِأَنَّنَا مَأْمُورُونَ بِاتِّبَاعِ سَبِيلِ الْحَقِّ وَصَرْفِ الْجُهْدِ إِلَى إِصَابَتِهِ، وَالْيَهُودُ مِنَ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ
وَالنَّصَارَى مِنَ الْفَرِيقِ الثَّانِي. وَمَا وَرَدَ فِي الْأَثَرِ مِمَّا ظَاهِرُهُ تَفْسِيرُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ بِالْيَهُودِ وَالضَّالِّينَ بِالنَّصَارَى فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ فِي الْآيَةِ تَعْرِيضًا بِهَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ حَقَّ عَلَيْهِمَا هَذَانِ الْوَصْفَانِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَارَ عَلَمًا فِيمَا أُرِيدَ التَّعْرِيضُ بِهِ فِيهِ. وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكَ مِنْ هَذَا أَنَّ عَطْفَ وَلَا الضَّالِّينَ عَلَى غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ارْتِقَاءٌ فِي التَّعَوُّذِ مِنْ شَرِّ سُوءِ الْعَاقِبَةِ لِأَنَّ التَّعَوُّذَ مِنَ الضَّلَالِ الَّذِي جَلَبَ لِأَصْحَابِهِ غَضَبَ اللَّهِ لَا يُغْنِي عَنِ التَّعَوُّذِ مِنَ الضَّلَالِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ بِأَصْحَابِهِ تِلْكَ الدَّرَكَاتِ وَذَلِكَ وَجْهُ تَقْدِيمِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ عَلَى وَلَا الضَّالِّينَ، لِأَنَّ الدُّعَاءَ كَانَ بِسُؤَالِ النَّفْيِ، فَالتَّدَرُّجُ فِيهِ يَحْصُلُ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 196
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست