responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 230
وَبِالتَّعْرِيضِ ذَمًّا لِلْمُشْرِكِينَ بِعَدَمِ الِاهْتِدَاءِ بِالْكِتَابِ، وَذَمًّا لِلْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالظَّاهِرِ وَهُمْ مُبْطِنُونَ الْكُفْرَ، وَسَيُعَقِّبُ هَذَا التَّعْرِيضَ بِصَرِيحِ وَصْفِهِمْ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ [الْبَقَرَة: 6] الْآيَاتِ. وَقَوْلِهِ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ [الْبَقَرَة: 8] .
وَيُؤْمِنُونَ مَعْنَاهُ يُصَدِّقُونَ، وَآمَنَ مَزِيدُ أَمِنَ وَهَمْزَتُهُ الْمَزِيدَةُ دَلَّتْ عَلَى التَّعْدِيَةِ، فَأَصْلُ آمَنَ تَعْدِيَةُ أَمِنَ ضِدَّ خَافَ فَآمَنَ مَعْنَاهُ جَعَلَ غَيْرَهُ آمِنًا ثُمَّ أَطْلَقُوا آمَنَ عَلَى مَعْنَى صَدَّقَ وَوَثِقَ حَكَى أَبُو زَيْدٍ عَنِ الْعَرَبِ: «مَا آمَنْتُ أَنْ أَجِدَ صَحَابَةً» يَقُولُهُ الْمُسَافِرُ إِذَا تَأَخَّرَ عَنِ السَّفَرِ، فَصَارَ آمَنَ بِمَعْنَى صَدَّقَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ آمَنَ مُخْبِرَهُ مِنْ أَنْ يَكْذِبَهُ، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ آمَنَ نَفْسَهُ مِنْ أَنْ تَخَافَ مِنْ كَذِبِ الْخَبَرِ مُبَالَغَةً فِي أَمِنَ كَأَقْدَمَ عَلَى الشَّيْءِ بِمَعْنَى تَقَدَّمَ إِلَيْهِ وَعَمِدَ إِلَيْهِ، ثُمَّ صَارَ فِعْلًا قَاصِرًا إِمَّا عَلَى مُرَاعَاةِ حَذْفِ الْمَفْعُولِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ بِحَيْثُ نَزَلَ الْفِعْلُ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ، وَإِمَّا عَلَى مُرَاعَاةِ الْمُبَالَغَةِ الْمَذْكُورَةِ أَيْ حَصَلَ لَهُ الْأَمْنُ أَيْ مِنَ الشَّكِّ وَاضْطِرَابِ النَّفْسِ وَاطْمَأَنَّ لِذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَمْنِ وَالِاطْمِئْنَانِ مُتَقَارِبٌ، ثُمَّ إِنَّهُمْ يُضَمِّنُونَ آمَنَ مَعْنَى أَقَرَّ فَيَقُولُونَ آمَنَ بِكَذَا أَيْ أَقَرَّ بِهِ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَيُضَمِّنُونَهُ مَعْنَى اطْمَأَنَّ فَيَقُولُونَ آمَنَ لَهُ: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ [الْبَقَرَة: 75] .
وَمَجِيءُ صِلَةِ الْمَوْصُولِ فِعْلًا مُضَارِعًا لِإِفَادَةِ أَنَّ إِيمَانَهُمْ مُسْتَمِرٌّ مُتَجَدِّدٌ كَمَا عَلِمْتَ آنِفًا، أَيْ لَا يَطْرَأُ عَلَى إِيمَانِهِمْ شَكٌّ وَلَا رِيبَةٌ.
وَخَصَّ بِالذِّكْرِ الْإِيمَانَ بِالْغَيْبِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْإِيمَانِ لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِالْغَيْبِ أَيْ مَا غَابَ عَنِ الْحِسِّ هُوَ الْأَصْلُ فِي اعْتِقَادِ إِمْكَانِ مَا تُخْبِرُ بِهِ الرُّسُلَ عَنْ وُجُودِ اللَّهِ وَالْعَالَمِ
الْعُلْوِيِّ، فَإِذَا آمَنَ بِهِ الْمَرْءُ تَصَدَّى لِسَمَاعِ دَعْوَةِ الرَّسُولِ وَلِلنَّظَرِ فِيمَا يُبَلِّغُهُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى فَسَهُلَ عَلَيْهِ إِدْرَاكُ الْأَدِلَّةِ، وَأَمَّا مَنْ يَعْتَقِدُ أَنْ لَيْسَ وَرَاءَ عَالَمِ الْمَادِّيَّاتِ عَالَمٌ آخَرُ وَهُوَ مَا وَرَاءَ الطَّبِيعَةِ فَقَدْ رَاضَ نَفْسَهُ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْإِيمَانِ بِوُجُودِ اللَّهِ وَعَالَمِ الْآخِرَةِ كَمَا كَانَ حَالُ الْمَادِّيِّينَ وَهُمُ الْمُسَمَّوْنَ بِالدَّهْرِيِّينَ الَّذِينَ قَالُوا: مَا يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية: 24] وَقَرِيبٌ مِنَ اعْتِقَادِهِمُ اعْتِقَادُ الْمُشْرِكِينَ وَلِذَلِكَ عَبَدُوا الْأَصْنَامَ الْمُجَسَّمَةَ وَمُعْظَمُ الْعَرَبِ كَانُوا يُثْبِتُونَ مِنَ الْغَيْبِ وُجُودَ الْخَالِقِ وَبَعْضُهُمْ يُثْبِتُ الْمَلَائِكَةَ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِسِوَى ذَلِكَ. وَالْكَلَامُ عَلَى حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهُ وَيَجِيءُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [الْبَقَرَة: 8] .

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 230
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست