responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 244
مَهْمَا اسْتَقَامَ اعْتِبَارُهُ وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ فِي «دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ» عِنْدَ ذِكْرِ بَيْتِ بَشَّارٍ:
كَأَنَّ مُثَارَ النَّقْعِ فَوْقَ رُؤُوسِنَا ... وَأَسْيَافُنَا لَيْلٌ تَهَاوَى كَوَاكِبُهْ
«قَصَدَ تَشْبِيهَ النَّقْعِ وَالسُّيُوفُ فِيهِ بِاللَّيْلِ الْمُتَهَاوِيَةُ كَوَاكِبُهُ، لَا تَشْبِيهَ النَّقْعِ بِاللَّيْلِ مِنْ جَانِبٍ وَالسُّيُوفِ بِالْكَوَاكِبِ مِنْ جَانِبٍ، وَلِذَلِكَ وَجَبَ الْحُكْمُ بِأَنَّ أَسْيَافَنَا فِي حُكْمِ الصِّلَةِ لِلْمَصْدَرِ (أَيْ مُثَارَ) لِئَلَّا يَقَعَ فِي تَشْبِيهِهِ تَفَرُّقٌ، فَإِنَّ نَصْبَ الْأَسْيَافِ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى مَعَ لَا عَلَى الْعَطْفِ» . إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا تَبَيَّنَ لَدَيْكَ أَنَّ لِلتَّشْبِيهِ التَّمْثِيلِيِّ الْحَظَّ الْأَوْفَى عِنْدَ أَهْلِ الْبَلَاغَةِ وَوَجْهُهُ أَنَّ مِنْ أَهَمِّ أَغْرَاضِ الْبُلَغَاءِ وَأَوَّلِهَا بَابُ التَّشْبِيهِ وَهُوَ أَقْدَمُ فُنُونِهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّمْثِيلَ أَخَصُّ أَنْوَاعِ التَّشْبِيهِ لِأَنَّهُ تَشْبِيهُ هَيْئَةٍ بِهَيْئَةٍ فَهُوَ أَوْقَعُ فِي النُّفُوسِ وَأَجْلَى لِلْمَعَانِي.
وَنَحْنُ نَجِدُ اعْتِبَارَ التَّمْثِيلِيَّةِ فِي الْآيَةِ أَرْجَحَ لِأَنَّهَا أَوْضَحُ وَأَبْلَغُ وَأَشْهَرُ وَأَسْعَدُ بِكَلَامِ «الْكَشَّافِ» ، أَمَّا كَوْنُهَا أَوْضَحَ فَلِأَنَّ تَشْبِيهَ التَّمْثِيلِ مَنْزَعٌ وَاضِحٌ لَا كُلْفَةَ فِيهِ فَيُفِيدُ تَشْبِيهَ مَجْمُوعِ هَيْئَةِ الْمُتَّقِينَ فِي اتِّصَافِهِمْ بِالْهُدَى بِهَيْئَةِ الرَّاكِبِ إِلَخْ بِخِلَافِ طَرِيقَةِ التَّبَعِيَّةِ فَإِنَّهَا لَا تُفِيدُ إِلَّا تَشْبِيهَ التَّمَكُّنِ بِالِاسْتِعْلَاءِ ثُمَّ يُسْتَفَادُ مَا عَدَا ذَلِكَ بِالتَّقْيِيدِ. وَأَمَّا كَوْنُهَا أَبْلَغَ فَلِأَنَّ الْمَقَامَ لَمَّا سَمَحَ بِكِلَا الِاعْتِبَارَيْنِ بِاتِّفَاقِ الْفَرِيقَيْنِ لَا جرم كَانَ أَو لَا هما بِالِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ خُصُوصِيَّاتٌ أَقْوَى وَأَعَزُّ. وَأَمَّا كَوْنُهَا أَشْهَرَ فَلِأَنَّ التَّمْثِيلِيَّةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بِخِلَافِ التَّبَعِيَّةِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ أَسْعَدَ بِكَلَامِ «الْكَشَّافِ» فَلِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ: «مَثَلٍ» أَنَّهُ أَرَادَ التَّمْثِيلَ، لِأَنَّ كَلَامَ مِثْلِهِ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ لَا تَخْرُجُ فِيهِ اللَّفْظَةُ الِاصْطِلَاحِيَّةُ عَنْ مُتَعَارَفِ أَهْلِهَا إِلَى أَصْلِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
فَإِذَا صَحَّ أَنَّ التَّمْثِيلِيَّةَ أَرْجَحُ فَلْنَنْقُلِ الْكَلَامَ إِلَى تَصْحِيحِ الْجَمْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّبَعِيَّةِ وَهُوَ الْمَجَالُ الثَّانِي لِلْخِلَافِ بَيْنَ الْعَلَامَتَيْنِ فَالسَّعْدُ وَالطِّيبِيُّ يُجَوِّزَانِ اعْتِبَارَ التَّبَعِيَّةِ مَعَ التَّمْثِيلِيَّةِ فِي الْآيَةِ وَالسَّيِّدُ يَمْنَعُ ذَلِكَ كَمَا عَلِمْتُمْ وَيَقُولُ إِذَا كَانَ التَّشْبِيهُ مُنْتَزَعًا مِنْ مُتَعَدِّدٍ فَقَدِ انْتُزِعَ كُلُّ جُزْءٍ فِي الْمُشَبَّهِ مِنْ جُزْئَيِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ مَعْنَى التَّرْكِيبِ فَكَيْفَ يُعْتَبَرُ بَعْضُ الْمُشَبَّهِ بِهِ مُسْتَعَارًا لِبَعْضِ الْمُشَبَّهِ فَيَنْتَقِضُ التَّرْكِيبُ. وَهَذَا الدَّلِيلُ نَاظِرٌ إِلَى قَوْلِ أَئِمَّةِ الْبَلَاغَةِ إِنَّ أَصْلَ مُفْرَدَاتِ الْمُرَكَّبِ التَّمْثِيلِيِّ أَنْ تَكُونَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعَانِيهَا الْحَقِيقِيَّةِ وَإِنَّمَا الْمَجَازُ فِي جُمْلَةِ الْمُرَكَّبِ أَيْ فِي إِطْلَاقِهِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهَةِ، فَكَلَامُ السَّيِّدِ وُقُوفٌ عِنْدهَا. وَلَكِن التفتازانيّ لَمْ يَرَ مَانِعًا مِنَ اعْتِبَارِ الْمَجَازِ فِي بَعْضِ مُفْرَدَاتِ الْمُرَكَّبِ التَّمْثِيلِيِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَكَلُّفٌ، وَلَعَلَّهُ يَرَى ذَلِكَ زِيَادَةً فِي خُصُوصِيَّاتِ إِعْجَازِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَمِنْ شَأْنِ الْبَلِيغِ أَنْ لَا يُفِيتَ مَا
يَقْتَضِيهِ الْحَالُ مِنَ الْخُصُوصِيَّاتِ، وَبِهَذَا

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 244
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست