responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 250
وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْعَرَبِ فِي سَوَاءٍ اسْتِعْمَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَأْتُوا بِسَوَاءٍ عَلَى أَصْلِ وَضْعِهِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنَى التَّسَاوِي فِي وَصْفٍ بَيْنَ مُتَعَدِّدٍ فَيَقَعُ مَعَهُ (سَوَاءٌ) مَا يَدُلُّ عَلَى مُتَعَدِّدٍ نَحْوَ ضَمِيرِ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ [النَّحْل: 71] وَنَحْوَ الْعَطْفِ فِي قَوْلِ بُثَيْنَةَ:
سَوَاءٌ عَلَيْنَا يَا جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ ... إِذَا مِتَّ بَأْسَاءُ الْحَيَاةِ وَلِينُهَا
وَيَجْرِي إِعْرَابُهُ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ مَوْقِعُهُ مِنَ التَّرْكِيبِ، وَثَانِيهُمَا أَنْ يَقَعَ مَعَ هَمْزَةِ التَّسْوِيَةِ وَمَا هِيَ إِلَّا هَمْزَةُ اسْتِفْهَامٍ كَثُرَ وُقُوعُهَا بَعْدَ كَلِمَةِ سَواءٌ وَمَعَهَا أَمْ الْعَاطِفَةُ الَّتِي تُسَمَّى الْمُتَّصِلَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى) سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا وَهَذَا أَكَثَرُ اسْتِعْمَالَيْهَا وَتَرَدَّدَ النُّحَاةُ فِي إِعْرَابِهِ وَأَظْهَرُ مَا قَالُوهُ وَأَسْلَمُهُ أَنَّ سَواءٌ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَأَنَّ الْفِعْلَ الْوَاقِعَ بَعْدَهُ مُقْتَرِنًا بِالْهَمْزَةِ فِي تَأْوِيلِ مُبْتَدَأٍ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَصْدَرِ إِذْ تَجَرَّدَ عَنِ النِّسْبَةِ وَعَنِ الزَّمَانِ، فَالتَّقْدِيرُ فِي الْآيَةِ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ إِنْذَارُكَ وَعَدَمُهُ.
وَأَظْهَرُ عِنْدِي مِمَّا قَالُوهُ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ بَعْدَ سَواءٌ مُقَدَّرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهَامُ الْوَاقِعُ مَعَهُ وَأَنَّ التَّقْدِيرَ سَوَاءٌ جَوَابٌ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ وَهَذَا يَجْرِي عَلَى نَحْوِ قَوْلِ الْقَائِلِ عَلِمْتُ أَزْيَدٌ قَائِمٌ إِذْ تَقْدِيرُهُ عَلِمْتُ جَوَابَ هَذَا السُّؤَالِ، وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ سَواءٌ مُبْتَدَأً رَافِعًا لِفَاعِلٍ سَدَّ مَسَدَّ الْخَبَرِ لِأَنَّ سَواءٌ فِي مَعْنَى مُسْتَوٍ فَهُوَ فِي قُوَّةِ اسْمِ الْفَاعِلِ فَيَرْفَعُ فَاعِلًا سَادًّا مَسَدَّ خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ وَجَوَابُ مِثْلِ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ لَمَّا كَانَ وَاحِدًا مِنْ أَمْرَيْنِ كَانَ الْإِخْبَارُ بِاسْتِوَائِهِمَا عِنْدَ الْمُخْبِرِ مُشِيرًا إِلَى أَمْرَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ وَلِأَجْلِ كَوْنِ الْأَصْلِ فِي خَبَرِهِ الْإِفْرَادُ كَانَ الْفِعْلُ بَعْدَ (سَوَاء) مؤولا لَا بِمَصْدَرٍ وَوَجْهُ الْأَبْلَغِيَّةِ فِيهِ أَنَّ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لِخَفَاءِ الِاسْتِوَاءِ بَيْنَهُمَا حَتَّى لَيَسْأَلَ السَّائِلُونَ أَفَعَلَ فُلَانٌ كَذَا وَكَذَا فَيُقَالُ إِنَّ الْأَمْرَيْنِ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الِاكْتِرَاثِ بِهِمَا وَعَدَمِ تَطَلُّبِ الْجَوَابِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ مِنْ أَحَدِهِمَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ مُشِيرًا إِلَى أَنَّ النَّاسَ لِتَعَجُّبِهِمْ فِي دَوَامِ الْكُفَّارِ عَلَى كُفْرِهِمْ مَعَ مَا جَاءَهُمْ مِنَ الْآيَاتِ بِحَيْثُ يَسْأَلُ السَّائِلُونَ أَأَنْذَرَهُمُ النَّبِيُّ أَمْ لَمْ يُنْذِرْهُمْ مُتَيَقِّنِينَ أَنَّهُ لَوْ أَنْذَرَهُمْ لَمَا تَرَدَّدُوا فِي الْإِيمَانِ فَقِيلَ إِنَّهُمْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ جَوَابُ تَسَاؤُلِ النَّاسِ عَنْ إِحْدَى الْأَمْرَيْنِ، وَبِهَذَا انْتَفَى جَمِيعُ التَّكَلُّفَاتِ الَّتِي فَرَضَهَا النُّحَاةُ هُنَا وَنَبْرَأُ مِمَّا وَرَدَ عَلَيْهَا مِنَ الْأَبْحَاثِ كَكَوْنِ الْهَمْزَةِ خَارِجَةً عَنْ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ، وَكَيْفَ يَصِحُّ عَمَلَ مَا بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ فِيمَا قَبْلَهُ إِذَا أُعْرِبَ (سَوَاءٌ) خَبَرًا وَالْفِعْلُ بَعْدَ الْهَمْزَةِ مُبْتَدَأً مُجَرَّدًا عَنِ الزَّمَانِ، وَكَكَوْنِ الْفِعْلِ مُرَادًا مِنْهُ مُجَرَّدُ الْحَدَثِ، وَكَدَعْوَى كَوْنِ الْهَمْزَةِ فِي التَّسْوِيَةِ مَجَازًا بِعَلَاقَةِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 250
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست