responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 255
وَالْإِرْشَادِ إِلَيْهَا، وَجَعْلِ أَسْمَاعِهِمْ فِي اسْتِكَاكِهَا عَنْ سَمَاعِ الْآيَاتِ وَالنُّذُرِ، وَجَعْلِ أَعْيُنِهِمْ فِي عَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِمَا تَرَى مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَالدَّلَائِلِ الْكَوْنِيَّةِ، كَأَنَّهَا مَخْتُومٌ عَلَيْهَا وَمَغْشِيٌّ دُونَهَا إِمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِعَارَةِ بِتَشْبِيهِ عَدَمِ حُصُولِ النَّفْعِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا بِالْخَتْمِ وَالْغِشَاوَةِ ثُمَّ إِطْلَاقُ لَفْظِ خَتَمَ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِيَّةِ وَلَفْظِ الْغِشَاوَةِ عَلَى وَجْهِ الْأَصْلِيَّةِ وَكِلْتَاهُمَا اسْتِعَارَةٌ تَحْقِيقِيَّةٌ إِلَّا أَنَّ الْمُشَبَّهَ مُحَقَّقٌ عَقْلًا لَا حِسًّا. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْخَتْمَ وَالْغِشَاوَةَ تَمْثِيلًا بِتَشْبِيهِ هَيْئَةٍ وَهْمِيَّةٍ مُتَخَيَّلَةٍ فِي قُلُوبِهِمْ أَيْ إِدْرَاكِهِمْ مِنَ التَّصْمِيمِ عَلَى الْكُفْرِ وَإِمْسَاكِهِمْ عَنِ التَّأَمُّلِ فِي الْأَدِلَّةِ- كَمَا تَقَدَّمَ- بِهَيْئَةِ الْخَتْمِ، وَتَشْبِيهِ هَيْئَةٍ مُتَخَيَّلَةٍ فِي أَبْصَارِهِمْ مِنْ عَدَمِ التَّأَمُّلِ فِي الْوَحْدَانِيَّةِ وَصِدْقِ الرَّسُولِ بِهَيْئَةِ الْغِشَاوَةِ وَكُلُّ ذَيْنَكَ مِنْ تَشْبِيهِ الْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ، وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْخَتْمَ وَالْغِشَاوَةَ مَجَازًا مُرْسَلًا بِعَلَاقَةِ اللُّزُومِ وَالْمُرَادُ اتِّصَافُهُمْ بِلَازِمِ ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ لَا تَعْقِلَ وَلَا تَحُسَّ، وَالْخَتْمُ فِي اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ اسْتِمْرَارُ الضَّلَالَةِ فِي نَفْسِ الضَّالِّ أَوْ خُلُقُ الضَّلَالَةِ، وَمِثْلُهُ الطَّبْعُ، وَالْأَكِنَّةُ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَعَلى سَمْعِهِمْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: قُلُوبِهِمْ فَتَكُونُ الْأَسْمَاعُ مَخْتُومًا عَلَيْهَا وَلَيْسَ هُوَ خَبَرًا مُقَدَّمًا لِقَوْلِهِ غِشاوَةٌ فَيَكُونُ: وَعَلى أَبْصارِهِمْ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ لِأَنَّ الْغِشَاوَةَ تُنَاسِبُ الْأَبْصَارَ لَا الْأَسْمَاعَ وَلِأَنَّ الْخَتْمَ يُنَاسِبُ الْأَسْمَاعَ كَمَا يُنَاسِبُ الْقُلُوبَ إِذْ كِلَاهُمَا يُشَبَّهُ بِالْوِعَاءِ وَيُتَخَيَّلُ فِيهِ مَعْنَى الْغَلْقِ وَالسَّدِّ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: اسْتَكَّ سَمْعُهُ وَوَقَرَ سَمْعُهُ وَجَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ.
وَالْمُرَادُ مِنَ الْقُلُوبِ هُنَا الْأَلْبَابُ وَالْعُقُولُ، وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ الْقَلْبَ عَلَى اللُّحْمَةِ الصَّنَوْبَرِيَّةِ، وَتُطْلِقُهُ عَلَى الْإِدْرَاكِ وَالْعَقْلِ، وَلَا يَكَادُونَ يُطْلِقُونَهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِنْسَانِ وَذَلِكَ غَالِبُ كَلَامِهِمْ عَلَى الْحَيَوَانِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَمَقَرُّهُ الدِّمَاغُ لَا مَحَالَةَ وَلَكِنَّ الْقَلْبَ هُوَ الَّذِي يَمُدُّهُ بِالْقُوَّةِ الَّتِي بِهَا عَمَلُ الْإِدْرَاكِ.
وَإِنَّمَا أَفْرَدَ السَّمْعَ وَلَمْ يَجْمَعْ كَمَا جمع (قُلُوبهم) و (أَبْصَارهم) إِمَّا لِأَنَّهُ أُرِيدَ مِنْهُ الْمَصْدَرُ الدَّالُّ عَلَى الْجِنْسِ، إِذْ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْآذَانِ سَمْعٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَمَعَ لَمَّا ذَكَرَ الْآذَانَ فِي قَوْلِهِ: يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ [الْبَقَرَة: 19] وَقَوْلِهِ: وَفِي آذانِنا وَقْرٌ [فصلت: 5] فَلَمَّا عَبَّرَ بِالسَّمْعِ أَفْرَدَ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ بِخِلَافِ الْقُلُوبِ وَالْأَبْصَارِ فَإِنَّ الْقُلُوبَ مُتَعَدِّدَةٌ وَالْأَبْصَارُ جَمْعُ بَصَرٍ الَّذِي هُوَ اسْمٌ لَا مَصْدَرٌ، وَإِمَّا لِتَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ أَيْ وَعَلَى حَوَاسِّ سَمْعِهِمْ أَوْ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 255
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست