responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 278
النَّفْسُ مِنْ أَوْبَةٍ إِلَى الْحَقِّ جَعَلَ مُعَامَلَتَهُمْ لَهَا فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ نُصْحِهَا وَإِعْرَاضِهَا عَنْهُمْ فِي قِلَّةِ تَجْدِيدِ النُّصْحِ لَهُمْ وَتَرْكِهِمْ فِي غَيِّهِمْ كَالْمُخَادَعَةِ مِنْ هَذَيْنِ الْجَانِبَيْنِ.
وَاعْلَمْ أَن قَوْله: وَمَا يخادعون إِلَّا أنفسهم أَجْمَعَتِ الْقِرَاءَاتُ الْعَشْرُ عَلَى قِرَاءَتِهِ بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْخَاءِ بَعْدَهَا أَلِفٌ. وَالنَّفْسُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ الذَّاتُ وَالْقُوَّةُ الْبَاطِنِيَّةُ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِالرُّوحِ وَخَاطِرِ الْعَقْلِ.
وَقَوْلُهُ: وَما يَشْعُرُونَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَمَا يُخَادِعُونَ وَالشُّعُورُ يُطْلَقُ عَلَى الْعِلْمِ بِالْأَشْيَاءِ الْخَفِيَّةِ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الشَّاعِرُ شَاعِرًا لِعِلْمِهِ بِالْمَعَانِي الَّتِي لَا يَهْتَدِي إِلَيْهَا كُلُّ
أَحَدٍ وَقُدْرَتِهِ عَلَى الْوَزْنِ وَالتَّقْفِيَةِ بِسُهُولَةٍ، وَلَا يُحْسِنُ لِذَلِكَ كُلُّ أَحَدٍ، وَقَوْلُهُمْ لَيْتَ شِعْرِي فِي التَّحَيُّرِ فِي عِلْمِ أَمْرٍ خَفِيٍّ، وَلَوْلَا الْخَفَاءُ لَمَا تَمَنَّى عِلْمَهُ بَلْ لَعَلِمَهُ بِلَا تَمَنٍّ، فَقَوْلُهُمْ هُوَ لَا يُشْعِرُ وَصْفٌ بِعَدَمِ الْفِطْنَةِ لَا بِعَدَمِ الْإِحْسَاسِ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي الذَّمِّ لِأَنَّ الذَّمَّ بِالْوَصْفِ الْمُمْكِنِ الْحُصُولِ أَنْكَى مِنَ الذَّمِّ بِمَا يَتَحَقَّقُ عَدمه فَإِن إحساسهم أَمْرٌ مَعْلُومٌ لَهُمْ وَلِلنَّاسِ فَلَا يَغِيضُهُمْ أَنْ يُوصَفُوا بِعَدَمِهِ وَإِنَّمَا الَّذِي يَغِيضُهُمْ أَنْ يُوصَفُوا بِالْبَلَادَةِ. عَلَى أَنَّ خَفَاءَ مُخَادَعَتِهِمْ أَنْفُسَهُمْ مِمَّا لَا يُمْتَرَى فِيهِ وَاخْتِيرَ مِثْلُهُ فِي نَظِيرِهِ فِي الْخَفَاءِ وَهُوَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لَا يَشْعُرُونَ [الْبَقَرَة: 12] لِأَنَّ كِلَيْهِمَا أُثْبِتَ فِيهِ مَا هُوَ الْمَآلُ وَالْغَايَةُ وَهِيَ مِمَّا يَخْفَى وَاخْتِيرَ فِي قَوْلِهِ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لَا يَعْلَمُونَ [الْبَقَرَة: 13] نَفْيُ الْعِلْمِ دُونَ نَفْيِ الشُّعُورِ لِأَنَّ السَّفَهَ قَدْ يَبْدُو لِصَاحِبِهِ بِأَقَلِّ الْتِفَاتَةٍ إِلَى أَحْوَالِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ لِأَنَّ السَّفَهَ أَقْرَبُ لِادِّعَاءِ الظُّهُورِ مِنْ مُخَادَعَةِ النَّفْسِ عِنْدَ إِرَادَةِ مُخَادَعَةِ الْغَيْرِ وَمِنْ حُصُولِ الْإِفْسَادِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْإِصْلَاحِ وَعَلَى الْإِطْلَاقِ الثَّانِي دَرَجَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» قَالَ: فَهُمْ لِتَمَادِي غَفْلَتِهِمْ كَالَّذِي لَا حس لَهُ.
[10]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 10]
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (10)
اسْتِئْنَافٌ مَحْضٌ لِعَدِّ مَسَاوِيهِمْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيَانِيًّا لِجَوَابِ سُؤال متعجب ناشىء عَنْ سَمَاعِ الْأَحْوَالِ الَّتِي وُصِفُوا بِهَا قَبْلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ [الْبَقَرَة: 9] فَإِنَّ مَنْ يَسْمَعُ أَنَّ طَائِفَةً تُخَادِعُ اللَّهَ تَعَالَى وَتُخَادِعُ قَوْمًا عَدِيدِينَ وَتَطْمَعُ أَنَّ خِدَاعَهَا يَتَمَشَّى عَلَيْهِمْ ثُمَّ لَا تَشْعُرُ بِأَنَّ ضَرَر الخداع لَا حق بِهَا لَطَائِفَةٌ جَدِيرَةٌ بِأَنْ يَتَعَجَّبَ مِنْ أَمْرِهَا الْمُتَعَجِّبُ وَيَتَسَاءَلَ كَيْفَ خَطَرَ هَذَا بِخَوَاطِرِهَا فَكَانَ قَوْلُهُ: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ بَيَانًا وَهُوَ أَنَّ فِي قُلُوبِهِمْ خَلَلًا تَزَايَدَ إِلَى أَنْ بَلَغَ حَدَّ الْأَفَنِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 278
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست