responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 300
أَوْفَرَ مِمَّا اشْتَرَى بِهِ لِيَكْتَسِبَ مِنْ ذَلِكَ الْوَفْرِ مَا يُنْفِقُهُ أَوْ يَتَأَثَّلُهُ. وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ لَا يَنْجَحُ إِلَّا بِالْمُثَابَرَةِ وَالتَّجْدِيدِ صِيغَ لَهُ وزن الضائع وَنَفْيُ الرِّبْحِ فِي الْآيَةِ تَشْبِيهٌ لِحَالِ الْمُنَافِقِينَ إِذْ قَصَدُوا مِنَ النِّفَاقِ غَايَةً فَأَخْفَقَتْ مَسَاعِيهِمْ وَضَاعَتْ مَقَاصِدُهُمْ بِحَالِ التُّجَّارِ الَّذِينَ لَمْ يَحْصُلُوا مِنْ تِجَارَتِهِمْ عَلَى رِبْحٍ فَلَا الْتِفَاتَ إِلَى رَأْسِ مَالٍ فِي التِّجَارَةِ حَتَّى يُقَالَ إِنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَرْبَحُوا فَقَدْ بَقِيَ لَهُمْ نَفْعُ رَأْسِ الْمَالِ وَيُجَابُ بِأَنَّ نَفْيَ الرِّبْحِ يَسْتَلْزِمُ ضَيَاعَ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّهُ يَتْلَفُ فِي النَّفَقَةِ مِنَ الْقُوتِ وَالْكُسْوَةِ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ غَيْرُ مَنْظُورٍ إِلَيْهِ إِذِ الِاسْتِعَارَةُ تَعْتَمِدُ عَلَى مَا يُقْصَدُ مِنْ وَجْهِ الشَّبَهِ فَلَا تَلْزَمُ الْمُشَابِهَةُ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي فَنِّ الْبَيَانِ.
وَإِنَّمَا أُسْنِدَ الرِّبْحُ إِلَى التِّجَارَةِ حَتَّى نُفِيَ عَنْهَا لِأَنَّ الرِّبْحَ لَمَّا كَانَ مُسَبَّبًا عَنِ التِّجَارَةِ وَكَانَ الرَّابِحُ هُوَ التَّاجِرُ صَحَّ إِسْنَادُهُ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّهَا سَبَبُهُ فَهُوَ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْلَا
الْإِسْنَادُ الْمَجَازِيُّ لَمَا صَحَّ أَنْ يُنْفَى عَنِ الشَّيْءِ مَا يَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صِفَاتِهِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ بِالْمَعْلُومِ ضَرُورَةً، فَلَا تَظُنَّنَّ أَنَّ النَّفْيَ فِي مِثْلِ هَذَا حَقِيقَةٌ فَتَتْرُكَهُ، إِنَّ انْتِفَاءَ الرِّبْحِ عَنِ التِّجَارَةِ وَاقِعٌ ثَابِتٌ لِأَنَّهَا لَا تُوصَفُ بِالرِّبْحِ وَهَكَذَا تَقُولُ فِي نَحْوِ قَوْلِ جَرِيرٍ:
«وَنِمْتُ وَمَا لَيْلُ الْمَطِيِّ بِنَائِمِ» بِخِلَافِ قَوْلِكَ مَا لَيْلُهُ بِطَوِيلٍ، بَلِ النَّفْيُ هُنَا مَجَازٌ عَقْلِيٌّ لِأَنَّهُ فَرْعٌ عَنِ اعْتِبَارِ وَصْفِ التِّجَارَةِ بِأَنَّهَا إِلَى الْخُسْرِ وَوَصْفُهَا بِالرِّبْحِ مَجَازٌ وَقَاعِدَةُ ذَلِكَ أَنْ تَنْظُرَ فِي النَّفْيِ إِلَى الْمَنْفِيِّ لَوْ كَانَ مُثْبَتًا فَإِنْ وَجَدْتَ إِثْبَاتَهُ مَجَازًا عَقْلِيًّا فَاجْعَلْ نَفْيَهُ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَاجْعَلْ نَفْيَهُ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ لَا يُنْفَى إِلَّا مَا يَصِحُّ أَنْ يُثْبَتَ. وَهَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي انْفَصَلَ عَلَيْهَا الْمُحَقق التفتازانيّ فِي «الْمُطَوَّلِ» ، وَعَدَلَ عَنْهَا فِي «حَوَاشِي الْكَشَّافِ» وَهِيَ أَمْثَلُ مِمَّا عَدَلَ إِلَيْهِ.
وَقَدْ أَفَادَ قَوْلُهُ: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ تَرْشِيحًا لِلِاسْتِعَارَةِ فِي اشْتَرَوُا فَإِنَّ مَرْجِعَ التَّرْشِيحِ إِلَى أَنْ يُقَفِّيَ الْمَجَازَ بِمَا يُنَاسِبُهُ سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ التَّرْشِيحُ حَقِيقَةً بِحَيْثُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ إِلَّا تَقْوِيَةُ الْمَجَازِ كَمَا تَقُولُ لَهُ يَدٌ طُولَى أَوْ هُوَ أَسَدٌ دَامِي الْبَرَاثِنِ أم كَانَ التشريح مُتَمَيِّزًا بِهِ أَوْ مُسْتَعَارًا لِمَعْنًى آخَرَ هُوَ مِنْ مُلَائَمَاتِ الْمَجَازِ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ حَسُنَ مَعَ ذَلِكَ اسْتِقْلَالُهُ بِالِاسْتِعَارَةِ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّ نَفْيَ الرِّبْحِ تُرَشِّحَ بِهِ اشْتَرَوُا. وَمِثْلُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ أَنْشَدَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ كَمَا فِي «أَسَاسِ الْبَلَاغَةِ» لِلزَّمَخْشَرِيِّ وَلَمْ يَعْزُهُ:

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 300
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست