responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 348
لَا جَرَمَ أَنَّ أَقْصَى رَغْبَةٍ لَهُمْ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ هِيَ إِظْهَارُ تَكْذِيبِهِ انْتِصَارًا لِأَنْفُسِهِمْ وَلِآلِهَتِهِمْ وَتَظَاهُرًا بِالنَّصْرِ بَيْنَ قَبَائِلِ الْعَرَبِ كُلُّ هَذَا ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ عِنْدَ جَمِيعِ الْأُمَمِ الْمُجَاوِرَةِ لَهُمْ مِنْ فُرْسٍ وَرُومٍ وَقِبْطٍ وَأَحْبَاشٍ.
وَلَا جَرَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ قَصَّرَ مَعَهُمْ مَسَافَةَ الْمُجَادَلَةَ وَهَيَّأَ لَهُمْ طَرِيقَ إِلْزَامِهِ بِحَقِّيَّةِ مَا نَسَبُوهُ إِلَيْهِ فَأتَاهُمْ كِتَابًا مُنَزَّلًا نُجُومًا وَدَعَاهُمْ إِلَى الْمُعَارَضَةِ بِالْإِتْيَانِ بِقِطْعَةٍ قَصِيرَةٍ مِثْلِهِ وَأَنْ يَجْمَعُوا لِذَلِكَ شُهَدَاءَهُمْ وَأَعْوَانَهُمْ نَطَقَ بِذَلِكَ هَذَا الْكِتَابُ، كُلُّ هَذَا ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ فَإِنَّ هَذَا الْكِتَابَ مُتَوَاتِرٌ بَيْنَ الْعَرَبِ وَلَا يَخْلُو عَنِ الْعِلْمِ بِوُجُودِهِ أَهْلُ الدِّينِ مِنَ الْأُمَمِ وَإِنَّ اشْتِمَالَهُ عَلَى طَلَبِ الْمُعَارَضَةِ ثَابِتٌ بِالتَّوَاتُرِ الْمَعْلُومِ لَدَيْنَا فَإِنَّهُ هُوَ هَذَا الْكِتَابُ الَّذِي آمَنَ الْمُسْلِمُونَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ بِهِ وَحَفِظُوهُ وَآمَنَ بِهِ جَمِيعُ الْعَرَبِ أَيْضًا بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ فَأَلِفُوهُ كَمَا هُوَ الْيَوْمَ شَهِدَتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَجْيَالُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ.
وَقَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُتَحَدُّونَ الْمَدْعُوُّونَ إِلَى الْمُعَارَضَةِ بِالْمَكَانَةِ الْمَعْرُوفَةِ مِنْ أَصَالَةِ الرَّأْيِ وَاسْتِقَامَةِ الْأَذْهَانِ، وَرُجْحَانِ الْعُقُولِ وَعَدَمِ رَوَاجِ الزَّيْفِ عَلَيْهِمْ، وَبِالْكَفَاءَةِ وَالْمَقْدِرَةِ عَلَى التَّفَنُّنِ فِي الْمَعَانِي وَالْأَلْفَاظِ تَوَاتَرَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَنْهُمْ بِمَا نُقِلَ مِنْ كَلَامِهِمْ نَظْمًا وَنَثْرًا وَبِمَا
اشْتَهَرَ وَتَوَاتَرَ مِنَ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ بَيْنِ الْمَرْوِيَّاتِ مِنْ نَوَادِرِهِمْ وَأَخْبَارِهِمْ فَلَمْ يَكُنْ يَعُوزُهُمْ أَنْ يُعَارِضُوهُ لَوْ وَجَدُوهُ عَلَى النَّحْوِ الْمُتَعَارَفِ لَدَيْهِمْ فَإِنَّ صِحَّةَ أَذْهَانِهِمْ أَدْرَكَتْ أَنَّهُ تَجَاوَزَ الْحَدَّ الْمُتَعَارَفَ لَدَيْهِمْ فَلِذَلِكَ أَعْرَضُوا عَنِ الْمُعَارَضَةِ مَعَ تَوَفُّرِ دَاعِيهِمْ بِالطَّبْعِ وَحِرْصِهِمْ لَوْ وَجَدُوا إِلَيْهِ سَبِيلًا ثَبَتَ إِعْرَاضُهُمْ عَنِ الْمُعَارَضَةِ بِطَرِيقِ التَّوَاتُرِ إِذْ لَوْ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا لَأَعْلَنُوهُ وَأَشَاعُوهُ وَتَنَاقَلَهُ النَّاسُ لِأَنَّهُ مِنَ الْحَوَادِثِ الْعَظِيمَةِ فَعَدَلُوا عَنِ الْمُعَارَضَةِ بِاللِّسَانِ إِلَى الْمُحَارَبَةِ وَالْمُكَافَحَةِ، ثَبَتَ ذَلِكَ بِالتَّوَاتُرِ لَا مَحَالَةَ عِنْدَ أَهْلِ التَّارِيخِ وَغَيْرِهِمْ.
وَأَيًّا مَا جَعَلْتَ سَبَبَ إِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْمُعَارَضَةِ مِنْ خُرُوجِ كَلَامِهِ عَنْ طَوْقِ الْبَشَرِ أَوْ مِنْ صَرْفِ اللَّهِ أَذْهَانَهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَمْرٍ خَارِقٍ لِلْعَادَةِ كَانَ بِتَقْدِيرٍ مِنْ خَالِقِ الْقَدَرِ وَمُعْجِزِ الْبَشَرِ.
وَوَرَاءَ هَذَا كُلِّهِ دَلِيلٌ آخَرَ يُعَرِّفُنَا بِأَنَّ الْعَرَبَ بِحُسْنِ فِطْرَتِهِمْ قَدْ أَدْرَكُوا صِدْقَ الرَّسُولِ وَفَطِنُوا لِإِعْجَازِ الْقُرْآنِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ مُعْتَادٍ لِلْبَشَرِ وَأَنَّهُمْ مَا كَذَّبُوا إِلَّا عِنَادًا أَوْ مُكَابَرَةً وَحِرْصًا عَلَى السِّيَادَةِ وَنُفُورًا مِنَ الِاعْتِرَافِ بِالْخَطَأِ، ذَلِكَ الدَّلِيلُ هُوَ إِسْلَامُ جَمِيعِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 348
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست