responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 411
مِنَ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَعَانِي الْمَوْجُودَةِ فَرَامُوا تَعْظِيمَ هَذَا التَّعْلِيمِ
بِتَوْسِيعِهِ وَغَفَلُوا عَنْ مَوْقِعِ الْعِبْرَةِ وَمِلَاكِ الْفَضِيلَةِ وَهُوَ إِيجَادُ هَاتِهِ الْقُوَّةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي كَانَ أَوَّلُهَا تَعْلِيمَ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ، وَلِذَلِكَ كَانَ إِظْهَارُ عَجْزِ الْمَلَائِكَةِ عَنْ لَحَاقِ هَذَا الشَّأْوِ بِعَدَمِ تَعْلِيمِهِمْ لِشَيْءٍ مِنَ الْأَسْمَاءِ، وَلَوْ كَانَتِ الْمَزِيَّةُ وَالتَّفَاضُلُ فِي تَعْلِيمِ آدَمَ جَمِيعَ مَا سَيَكُونُ مِنَ الْأَسْمَاءِ فِي اللُّغَاتِ لَكَفَى فِي إِظْهَارِ عَجْزِ الْمَلَائِكَةِ عَدَمُ تَعْلِيمِهِمْ لِجَمْهَرَةِ الْأَسْمَاءِ وَإِنَّمَا عَلَّمَ آدَمَ أَسْمَاءَ الْمَوْجُودَاتِ يَوْمَئِذٍ كُلِّهَا لِيَكُونَ إِنْبَاؤُهُ الْمَلَائِكَةَ بِهَا أَبْهَرَ لَهُمْ فِي فَضِيلَتِهِ.
وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللُّغَاتِ تَوْقِيفِيَّةٌ- أَيْ لَقَّنَهَا اللَّهُ تَعَالَى الْبَشَرَ عَلَى لِسَانِ آدَمَ- وَلَا عَلَى عَدَمِهِ لِأَنَّ طَرِيقَةَ التَّعْلِيمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ مُجْمَلَةٌ مُحْتَمِلَةٌ لِكَيْفِيَّاتٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَالنَّاسُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَيْهَا إِلْهَامٌ مِنَ اللَّهِ وَذَلِكَ تَعْلِيمٌ مِنْهُ سَوَاءٌ لَقَّنَ آدَمَ لُغَةً وَاحِدَةً أَوْ جَمِيعَ لُغَاتِ الْبَشَرِ وَأَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ أَوْ أَلْهَمَهُ ذَلِكَ أَوْ خَلَقَ لَهُ الْقُوَّةَ النَّاطِقَةَ، وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ وَفِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَفِيهَا أَقْوَالٌ وَلَا أَثَرَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ لَا فِي الْفِقْهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ قَالَ الْمَازِرِيُّ «إِلَّا فِي جَوَازِ قَلْبِ اللُّغَةِ وَالْحَقُّ أَنَّ قَلْبَ الْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ حَرَامٌ وَغَيْرُهُ جَائِزٌ» وَلَقَدْ أَصَابَ الْمَازِرِيُّ وَأَخْطَأَ كُلُّ مَنْ رَامَ أَنْ يَجْعَلَ لِهَذَا الْخِلَافِ ثَمَرَةً غَيْرَ مَا ذُكِرَ، وَفِي اسْتِقْرَاءِ ذَلِكَ وَرَدِّهِ طُولٌ، وَأَمْرُهُ لَا يَخْفَى عَنْ سَالِمِي الْعُقُولِ.
ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.
قيل عطفه بثم لِأَنَّ بَيْنَ ابْتِدَاءِ التَّعْلِيمِ وَبَيْنَ الْعَرْضِ مُهْلَةً وَهِيَ مُدَّةُ تَلْقِينِ الْأَسْمَاءِ لِآدَمَ أَوْ مُدَّةُ إِلْهَامِهِ وَضْعَ الْأَسْمَاءِ لِلْمُسَمَّيَاتِ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ (ثُمَّ) هُنَا لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ كَشَأْنِهَا فِي عَطْفِهَا الْجُمَلَ لِأَنَّ رُتْبَةَ هَذَا الْعَرْضِ وَظُهُورَ عَدَمِ عِلْمِ الْمَلَائِكَةِ وَظُهُورَ عِلْمِ آدَمَ وَظُهُورَ أَثَرِ عِلْمِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ كُلُّ ذَلِكَ أَرْفَعُ رُتْبَةً فِي إِظْهَارِ مَزِيَّةِ آدَمَ وَاسْتِحْقَاقِهِ الْخِلَافَةَ، مِنْ رُتْبَةِ مُجَرَّدِ تَعَلُّمِهِ الْأَسْمَاءَ لَوْ بَقِيَ غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِهِ مَا حَدَثَ مِنَ الْحَادِثَةِ كُلِّهَا. وَلَمَّا كَانَ مَفْهُومُ لَفْظِ (اسْمٍ) مِنَ الْمَفْهُومَاتِ الْإِضَافِيَّةِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ تَعَقُّلُهَا عَلَى تَعَقُّلِ غَيْرِهَا إِذِ الِاسْمُ لَا يكون إِلَّا لمسمى كَانَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 411
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست