responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 424
وَإِبْلِيسُ اسْمُ الشَّيْطَانِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ مُوَلِّدُ الشَّيَاطِينِ، فَكَانَ إِبْلِيسُ لِنَوْعِ الشَّيَاطِينِ وَالْجِنِّ بِمَنْزِلَةِ آدَمَ لِنَوْعِ الْإِنْسَانِ. وَإِبْلِيسُ اسْمٌ مُعَرَّبٌ مِنْ لُغَةٍ غَيْرِ عَرَبِيَّةٍ لَمْ يُعَيِّنْهَا أَهْلُ اللُّغَةِ، وَلَكِنْ يَدُلُّ لِكَوْنِهِ مُعَرَّبًا أَنَّ الْعَرَبَ مَنَعُوهُ مِنَ الصَّرْفِ وَلَا سَبَبَ فِيهِ سِوَى الْعَلَمِيَّةِ وَالْعُجْمَةِ وَلِهَذَا جَعَلَ الزَّجَّاجُ هَمْزَتَهُ أَصْلِيَّةً، وَقَالَ وَزْنُهُ عَلَى فِعْلِيلَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ اسْمٌ عَرَبِيٌّ مُشْتَقٌّ مِنَ الْإِبْلَاسِ وَهُوَ الْبُعْدُ مِنَ الْخَيْرِ وَالْيَأْسُ مِنَ الرَّحْمَةِ وَهَذَا اشْتِقَاقٌ حَسَنٌ لَوْلَا أَنَّهُ يُنَاكِدُ مَنْعَهُ مِنَ الصَّرْفِ وَجَعَلُوا وَزْنَهُ إِفْعِيلَ لِأَنَّ هَمْزَتَهُ مَزِيدَةٌ وَقَدِ اعْتُذِرَ عَنْ مَنْعِهِ
مِنَ الصَّرْفِ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْأَسْمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ عُدَّ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْجَمِيِّ وَهُوَ اعْتِذَارٌ رَكِيكٌ. وَأَكْثَرُ الَّذِينَ أَحْصَوُا الْكَلِمَاتِ الْمُعَرَّبَةَ فِي الْقُرْآنِ لَمْ يَعُدُّوا مِنْهَا اسْمَ إِبْلِيسَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يتبينوا ذَلِك وصلاحية الِاسْمِ لِمَادَّةٍ عَرَبِيَّةٍ وَمُنَاسَبَتِهِ لَهَا.
وَجُمَلُ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ مُشِيرٌ إِلَى أَنَّ مُخَالَفَةَ حَالِهِ لِحَالِ الْمَلَائِكَةِ فِي السُّجُودِ لِآدَمَ، شَأْنُهُ أَنْ يُثِيرَ سُؤَالًا فِي نَفْسِ السَّامِعِ كَيْفَ لَمْ يَفْعَلْ إِبْلِيسُ مَا أُمِرَ بِهِ وَكَيْفَ خَالَفَ حَالَ جَمَاعَتِهِ وَمَا سَبَبُ ذَلِكَ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُ لِحَالَةِ مَعْشَرِهِ مُخَالَفَةٌ عَجِيبَةٌ إِذِ الشَّأْنُ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَ الْجَمَاعَاتِ كَمَا قَالَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ:
وَهَلْ أَنَا إِلَّا مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ ... غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشَدِ
فَبَيَّنَ السَّبَبَ بِأَنَّهُ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَفَرَ بِاللَّهِ.
وَالْإِبَاءُ الِامْتِنَاعُ مِنْ فِعْلٍ أَوْ تَلَقِّيهِ. وَالِاسْتِكْبَارُ شِدَّةُ الْكِبْرِ وَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِيهِ لِلْعَدِّ أَيْ عَدَّ نَفْسَهُ كَبِيرًا مِثْلَ اسْتَعْظَمَ وَاسْتَعْذَبَ الشَّرَابَ أَوْ يَكُونُ السِّينُ وَالتَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ مِثْلَ اسْتَجَابَ وَاسْتَقَرَّ فَمَعْنَى اسْتَكْبَرَ اتَّصَفَ بِالْكِبْرِ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ اسْتَكْبَرَ عَلَى اللَّهِ بِإِنْكَارِ أَنْ يَكُونَ آدَمُ مُسْتَحِقًّا لِأَنْ يَسْجُدَ هُوَ لَهُ إِنْكَارًا عَنْ تَصْمِيمٍ لَا عَنْ مُرَاجَعَةٍ أَوِ اسْتِشَارَةٍ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ أُخْرَى مِثْلُ قَوْلِهِ: قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الْأَعْرَاف: 12] وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ خَالَفَ فِعْلُ إِبْلِيسَ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ حِينَ قَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ [الْبَقَرَة: 30] ، لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّوَقُّفِ فِي الْحِكْمَةِ وَلِذَلِكَ قَالُوا:
وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ [الْبَقَرَة: 30] فَإِبْلِيسُ بِإِبَائِهِ انْتَقَضَتِ الْجِبِلَّةُ الَّتِي جُبِلَ عَلَيْهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَاسْتَحَالَتْ إِلَى جِبِلَّةٍ أُخْرَى عَلَى نَحْوِ مَا يَعْرِضُ مِنْ تَطَوُّرٍ لِلْعَاقِلِ حِينَ يَخْتَلُّ عَقْلُهُ وَلِلْقَادِرِ حِينَ تُشَلُّ بَعْضُ أَعْضَائِهِ، وَمِنَ الْعِلَلِ عِلَلٌ جُسْمَانِيَّةٌ وَمِنْهَا عِلَلٌ رُوحَانِيَّةٌ كَمَا قَالَ:

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 424
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست