responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 453
دَالًّا عَلَى التَّقَضِّي شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ كَانَ أَدَلَّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ لِأَنَّ شَأْنَ الْأَمْرِ الَّذِي يُفْعَلُ مُدَرَّجًا أَنْ يَكُونَ أَتْقَنَ. وَقَدْ أُطْلِقَ الْوَفَاءُ عَلَى تَحْقِيقِ الْوَعْدِ وَالْعَهْدِ إِطْلَاقًا شَائِعًا صَيَّرَهُ حَقِيقَةً.
وَالْعَهْدُ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ [الْبَقَرَة:
27] فِي هَذِهِ السُّورَةِ.
وَالْعَهْدُ هُنَا هُوَ الِالْتِزَامُ لِلْغَيْرِ بِمُعَامَلَةٍ الْتِزَامًا لَا يُفَرِّطُ فِيهِ الْمَعَاهِدُ حَتَّى يَفْسَخَاهُ بَيْنَهُمَا وَاسْتُعِيرَ الْعَهْدُ الْمُضَافُ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ لِقَبُولِ مَا يُكَلِّفُهُمْ بِهِ مِنَ الدِّينِ وَاسْتُعْمِلَ مَجَازًا لِقَبُولِ التَّكَالِيفِ وَالدُّخُولِ فِي الدِّينِ وَاسْتُعِيرَ الْمُضَافُ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ لِلْوَعْدِ عَلَى ذَلِكَ بِالثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ وَالنَّصْرِ فِي الدُّنْيَا فَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ عَهْدٍ مَجَازًا مُفْرَدًا اسْتُعْمِلَ الْعَهْدُ الْأَوَّلُ فِي التَّكَالِيفِ وَاسْتُعْمِلَ الْعَهْدُ الثَّانِي فِي الْوَعْدِ بِالثَّوَابِ وَالنَّصْرِ وَاسْتُعْمِلَ الْإِيفَاءُ مَعَ كِلَيْهِمَا فِي تَحْقِيقِ مَا الْتَزَمَ بِهِ كِلَا الْجَانِبَيْنِ مُسْتَعَارًا مِنْ مُلَائِمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ إِلَى ملائم الْمُشبه ليُفِيد تَرْشِيحًا لِاسْتِعَارَتِهِ وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْمَجْمُوعَ اسْتِعَارَةً تَمْثِيلِيَّةً بِأَنْ شَبَّهَ الْهَيْئَةَ الْحَاصِلَةَ مِنْ قَوْلِهِمْ لَمَّا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ وَأَنْ لَا يُقَصِّرُوا فِي الْعَمَلِ وَمِنْ وَعْدِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِالثَّوَابِ بِهَيْئَةِ الْمُتَعَاهِدِينَ عَلَى الْتِزَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِعَمَلٍ لِلْآخَرِ وَوَفَائِهِ بِعَهْدِهِ فِي عَدَمِ الْإِخْلَالِ بِهِ فَاسْتُعِيرَ لِهَذِهِ الْهَيْئَةِ الْكَلَامُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى قَوْلِهِ: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَهَذَا أَحْسَنُ وَبِهِ يَتَبَيَّنُ وَجْهُ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْعَهْدِ الثَّانِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَتُقَرِّبُهُ الْمُشَاكَلَةُ.
وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فَالْعَهْدُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» لِأَنَّ إِضَافَتَهُ إِلَى الْمَفْعُولِ مُتَعَيِّنَةٌ إِذَا تَعَلَّقَ بِهِ الْإِيفَاءُ إِذْ لَا يُوفِي أَحَدٌ إِلَّا بِعَهْدِ نَفْسِهِ فَإِذَا أُضِيفَ الْعَهْدُ الَّذِي هُوَ مَفْعُولُ أَوْفُوا إِلَى غَيْرِ فَاعِلِ الْإِيفَاءِ تَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ إِضَافَتُهُ لِلْمَفْعُولِ وَبِذَلِكَ يَتِمُّ تَرْشِيحُ الْمَجَازِ إِنْ كَانَ مُفْرَدًا كَمَا أَشَارَ لَهُ الْمُحَقق التفتازانيّ فَإِنْ كَانَ مُرَكَّبًا فَأَخْلِقْ بِهِ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ لِلْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا يُضَافُ بِقَيْدِ الْإِيفَاءِ إِلَى مَفْعُولِهِ لَا مَحَالَةَ.
وَمِنْ لَطَائِفِ الْقُرْآنِ فِي اخْتِيَارِ لَفْظِ الْعَهْدِ لِلِاسْتِعَارَةِ هُنَا لِتَكْلِيفِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُمْ أَنَّ
ذَلِكَ خِطَابٌ لَهُمْ بِاللَّفْظِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَهُمْ فِي كُتُبِهِمْ فَإِنَّ التَّوْرَاةَ الْمُنَزَّلَةَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ تُلَقَّبُ عِنْدَهُمْ بِالْعَهْدِ لِأَنَّهَا وَصَايَاتُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ وَلِذَا عُبِّرَ عَنْهُ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ بِالْمِيثَاقِ وَهَذَا مِنْ طُرُقِ الْإِعْجَازِ الْعِلْمِيِّ الَّذِي لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا عُلَمَاؤُهُمْ وَهُمْ أَشَحُّ بِهِ مِنْهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَيْثُ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ إِلَّا خَاصَّةُ أَهْلُ الدِّينِ فَمَجِيئُهُ عَلَى لِسَانِ النَّبِيءِ الْعَرَبِيِّ الْأُمِّيِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ وَحْيٌ مِنَ الْعَلَّامِ بِالْغُيُوبِ. وَالْعَهْدُ قَدْ أُخِذَ عَلَى أَسْلَافِهِمْ بِوَاسِطَةِ رُسُلِهِمْ وَأَنْبِيَائِهِمْ قَالَ تَعَالَى:

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 453
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست