responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 455
عَلَى الِاخْتِصَاصِ إِلَّا إِذَا أَقَامَتِ الْقَرِينَةُ عَلَى التَّقْوَى فَإِذَا كَانَ مَعَ التَّقْدِيمِ اشْتِغَالُ الْفِعْلِ بِضَمِيرِ الْمُقَدَّمِ نَحْوَ زَيْدًا ضَرَبْتُهُ كَانَ الِاخْتِصَاصُ أَوْكَدَ أَيْ كَانَ احْتِمَالُ التَّقْوَى أَضْعَفَ وَذَلِكَ لِأَنَّ إِسْنَادَ الْفِعْلِ إِلَى الضَّمِيرِ بَعْدَ إِسْنَادِهِ إِلَى الظَّاهِرِ الْمُتَقَدِّمِ يُفِيدُ التَّقْوَى فَتَعَيَّنَ أَنَّ تَقْدِيمَ الْمَفْعُولِ لِلِاخْتِصَاصِ دُونَ التَّقْوَى إِذِ التَّقْوَى قَدْ حَصَلَ بِإِسْنَادِ الْفِعْلِ أَوَّلًا إِلَى الِاسْمِ أَوِ الظَّاهِرِ الْمُتَقَدِّمِ وَثَانِيًا إِلَى ضَمِيرِ الْمُتَقَدِّمِ وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» وَهُوَ أَكْثَرُ اخْتِصَاصًا وَلَا أَقْوَى اخْتِصَاصًا إِذِ الِاخْتِصَاصُ لَا يَقْبَلُ التَّقْوِيَةَ بَلْ قَالَ وَهُوَ أَوْكَدُ فِي إِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ أَيْ أَنَّ إِفَادَتَهُ الِاخْتِصَاصَ أَقْوَى لِأَنَّ احْتِمَالَ كَوْنِ التَّقْدِيمِ لِلتَّقْوَى قَدْ صَارَ مَعَ الِاشْتِغَالِ ضَعِيفًا جِدًّا. وَلَسْنَا نَدَّعِي أَنَّ الِاشْتِغَالَ مُتَعَيِّنٌ لِلتَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ قَدْ يَأْتِي بِلَا تَخْصِيصٍ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ [الْقَمَر: 49] ، وَقَوْلِهِ: أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ [الْقَمَر: 24] وَقَوْلِ زُهَيْرٍ:
فَكُلًّا أَرَاهُمْ أَصْبَحُوا يَعْقِلُونَهُ ... صَحِيحَاتِ مَالٍ طَالِعَاتٍ بِمَخْرَمِ
لِظُهُورِ أَنْ لَا مَعْنَى لِلتَّخْصِيصِ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا غَيْرَ أَنَّ الْغَالِبَ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيمُ مَعَ صِيغَةِ الِاشْتِغَالِ لِلتَّخْصِيصِ إِذِ الْعَرَبُ لَا تُقَدِّمُ الْمَفْعُولَ غَالِبًا إِلَّا لِذَلِكَ وَلَا الْتِفَاتَ إِلَى مَا وَجَّهَ بِهِ صَاحِبُ «الْمِفْتَاحِ» أَنَّ احْتِمَالَ الْمَفْعُولِ فِي الِاشْتِغَالِ التَّخْصِيصُ وَالتَّقْوَى بَاقٍ عَلَى حَالِهِ وَلَكِنَّكَ إِنْ قَدَّرْتَ الْفِعْلَ الْمَحْذُوفَ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْمَفْعُولِ كَانَ التَّقْدِيمُ لِلتَّقْوَى وَإِنْ قَدَّرْتَهُ بَعْدَ الْمَفْعُولِ كَانَ التَّقْدِيمُ لِلتَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ بَنَاهُ عَلَى حَالَةِ مَوْقِعِ الْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ مَعَ أَنَّ تَقْدِيرَ الْفِعْلِ اعْتِبَارٌ لَا يُلَاحِظُهُ الْبُلَغَاءُ وَلِأَنَّهُمْ يَنْصِبُونَ عَلَى مَوْقِعِهِ قَرِينَةً فَتَعَيَّنَ أَنَّ السَّامِعَ إِنَّمَا يَعْتَدُّ بِالتَّقْدِيمِ الْمَحْسُوسِ وَبِتَكْرِيرِ التَّعَلُّقِ وَأَمَّا الِاعْتِدَادُ بِمَوْقِعِ الْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ فَحَوَالَةٌ عَلَى غَيْرِ مُشَاهَدٍ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ إِنْ كَانَ بِنِيَّةِ الْمُتَكَلِّمِ فَلَا قِبَلَ لِلسَّامِعِ بِمَعْرِفَةِ نِيَّتِهِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ فِي التَّقْدِيرِ لِلسَّامِعِ.
هَذَا وَالتَّقْدِيمُ إِذَا اقْتَرَنَ بِالْفَاءِ كَانَ فِيهِ مُبَالَغَةٌ، لِأَنَّ الْفَاءَ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُؤْذِنَةٌ بِشَرْطٍ مُقَدَّرٍ وَلَمَّا كَانَ هَذَا الشَّرْطُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ إِلَّا الْفَاءَ تَعَيَّنَ تَقْدِيرُهُ عَامًّا نَحْوَ إِنْ يَكُنْ شَيْءٌ أَوْ مَهْمَا يَكُنْ شَيْءٌ كَمَا أَشَارَ لَهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ
[المدثر: 3] حَيْثُ قَالَ: «وَدَخَلَتِ الْفَاءُ لِمَعْنَى الشَّرْطِ كَأَنَّهُ قِيلَ مَهْمَا كَانَ فَلَا تَدَعْ تَكْبِيرَهُ» .
فَالْمَعْنَى هُنَا وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَمَهْمَا يَكُنْ شَيْءٌ فَإِيَّايَ ارْهَبُونِي، فَلَمَّا حُذِفَتْ جُمْلَةُ الشَّرْطِ بَعْدَ وَاوِ الْعَطْفِ بَقِيَتْ فَاءُ الْجَوَابِ مُوَالِيَةً لِوَاوِ الْعَطْفِ فَزُحْلِقَتْ إِلَى أَثْنَاءِ الْجَوَابِ كَرَاهِيَةَ تَوَالِيُُ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 455
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست