responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 471
هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ، وَيُقَالُ فِي الْأَمْرِ لُبْسَةٌ بِضَمِّ اللَّامِ أَيِ اشْتِبَاهٌ،
وَفِي حَدِيثِ شَقِّ الصَّدْرِ «فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ قَدِ الْتَبَسَ بِي»
أَيْ حَصَلَ اخْتِلَاطٌ فِي عَقْلِي بِحَيْثُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الرُّؤْيَةِ وَالْخَيَالِ، وَفِعْلُهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَأَمَّا فِعْلُ لَبِسَ الثِّيَابَ فَمِنْ بَابِ سَمِعَ.
فَلَبْسُ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ تَرْوِيجُ الْبَاطِلِ فِي صُورَةِ الْحَقِّ، وَهَذَا اللَّبْسُ هُوَ مَبْدَأُ التَّضْلِيلِ وَالْإِلْحَادِ فِي الْأُمُورِ الْمَشْهُورَةِ فَإِنَّ الْمُزَاوِلِينَ لِذَلِكَ لَا يُرَوَّجُ عَلَيْهِمْ قَصْدُ إِبْطَالِهَا فَشَأْنُ مَنْ يُرِيدُ إِبْطَالَهَا أَنْ يَعْمِدَ إِلَى خَلْطِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ حَتَّى يُوهِمَ أَنَّهُ يُرِيدُ الْحَقَّ قَالَ تَعَالَى:
وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ [الْأَنْعَام: 137] لِأَنَّهُمْ أَوْهَمُوهُمْ أَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ إِلَى الْأَصْنَامِ.
وَأَكْثَرُ أَنْوَاعِ الضَّلَالِ الَّذِي أُدْخِلَ فِي الْإِسْلَامِ هُوَ مِنْ قَبِيلِ لَبْسِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ، فَقَدْ قَالَ الَّذِينَ ارْتَدُّوا مِنَ الْعَرَبِ وَمَنَعُوا الزَّكَاةَ أَنَّنَا كُنَّا نُعْطِي الزَّكَاةَ لِلرَّسُولِ وَنُطِيعُهُ فَلَيْسَ عَلَيْنَا طَاعَة لأحد بِعْهُ، وَهَذَا نَقْضٌ لِجَامِعَةِ الْمِلَّةِ فِي صُورَةِ الْأَنَفَةِ مِنَ الطَّاعَةِ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَقَدْ قَالَ شَاعِرُهُمْ وَهُوَ الْخُطَيْلُ بْنُ أَوْسٍ:
أَطَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ إِذْ كَانَ بَيْننَا ... فيا لعباد اللَّهِ مَا لِأَبِي بَكْرِ
وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ النَّاقِمُونَ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَبَّسُوا بِأُمُورٍ زَيَّنُوهَا لِلْعَامَّةِ كَقَوْلِهِمْ رَقِيَ إِلَى مَجْلِسِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمِنْبَرِ وَذَلِكَ اسْتِخْفَافٌ لِأَنَّ الْخَلِيفَتَيْنِ قَبْلَهُ نَزَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنِ الدَّرَجَةِ الَّتِي كَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهَا سَلَفُهُ، وَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ خَاتَمُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ رَمْزٌ عَلَى سُقُوطِ خِلَافَتِهِ.
وَقَدْ قَالَتِ الْخَوَارِجُ «لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ» فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ»
. وَحَرَّفَ أَقْوَامٌ آيَاتٍ بِالتَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ ثُمَّ سَمَّوْا ذَلِكَ بِالْبَاطِنِ وَزَعَمُوا أَنَّ لِلْقُرْآنِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ لَبْسٌ كَثِيرٌ، ثُمَّ نَشَأَتْ عَنْ ذَلِكَ نِحْلَةُ الْبَاطِنِيَّةِ، ثُمَّ تَأْوِيلَاتُ الْمُتَفَلْسِفِينَ فِي الشَّرِيعَةِ كَأَصْحَابِ «الرَّسَائِلِ» الْمُلَقَّبِينَ بِإِخْوَانِ الصَّفَاءِ. ثُمَّ نَشَأَ تَلْبِيسُ الْوَاعِظِينَ وَالْمُرَغِّبِينَ وَالْمُرْجِئَةِ فَأَخَذُوا بَعْضَ الْآيَاتِ فَأَشَاعُوهَا وَكَتَمُوا مَا يُقَيِّدُهَا
وَيُعَارِضُهَا نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر: 53] فَأَوْهَمُوا النَّاسَ أَنَّ الْمَغْفِرَةَ عَامَّةٌ لِكُلِّ ذَنْبٍ وَكُلِّ مُذْنِبٍ وَلَوْ لَمْ يَتُبْ وَأَغَضُّوا عَنْ آيَاتِ الْوَعِيدِ وَآيَاتِ التَّوْبَةِ.
وَلِلتَّفَادِي مِنْ هَذَا الْوَصْفِ الَّذِي ذَمَّهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ عُلَمَاءُ أُصُولِ الْفِقْهِ إِنَّ التَّأْوِيلَ لَا يَصِحُّ إِلَّا إِذَا دَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ قَوِيٌّ، أَمَّا إِذَا وَقَعَ التَّأْوِيلُ لِمَا يُظَنُّ أَنَّهُ دَلِيلٌ فَهُوَُُ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 471
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست