responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 480
وَقَوْلُهُ: إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ أَيِ الَّذِينَ اتَّصَفُوا بِالْخُشُوعِ، وَالْخُشُوعُ لُغَةً هُوَ الانزواء والانخفاض قا النَّابِغَةُ:
وَنُؤْيٌ كَجِذْمِ الْحَوْضِ أَثَلَمُ خَاشِعُ أَيْ زَالَ ارْتِفَاعُ جَوَانِبِهِ. وَالتَّذَلُّلُ خُشُوعٌ، قَالَ جَعْفَرُ بْنُ عَبْلَةَ الْحَارِثِيُّ:
فَلَا تَحْسَبِي أَنِّي تَخَشَّعْتُ بَعْدَكُمْ ... لِشَيْءٍ وَلَا أَنِّي مِنَ الْمَوْتِ أَفْرَقُ
وَهُوَ مَجَازٌ فِي خُشُوعِ النَّفْسِ وَهُوَ سُكُونٌ وَانْقِبَاضٌ عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَى الْإِبَايَةِ أَوِ الْعِصْيَانِ.
وَالْمُرَادُ بِالْخَاشِعِ هُنَا الَّذِي ذَلَّلَ نَفْسَهُ وَكَسَرَ سُورَتَهَا وَعَوَّدَهَا أَنْ تَطْمَئِنَّ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ وَتَطْلُبَ حُسْنَ الْعَوَاقِبِ وَأَنْ لَا تَغْتَرَّ بِمَا تُزَيِّنُهُ الشَّهْوَةُ الْحَاضِرَةُ فَهَذَا الَّذِي كَانَتْ تِلْكَ صِفَتَهُ قَدِ اسْتَعَدَّتْ نَفْسُهُ لِقَبُولِ الْخَيْرِ. وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَاشِعِينَ هُنَا الْخَائِفُونَ النَّاظِرُونَ فِي الْعَوَاقِبِ فَتَخِفُّ عَلَيْهِمُ الِاسْتِعَانَةُ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ مَعَ مَا فِي الصَّبْرِ مِنَ الْقَمْعِ لِلنَّفْسِ وَمَا فِي الصَّلَاةِ مِنَ الْتِزَامِ أَوْقَاتٍ مُعَيَّنَةٍ وَطَهَارَةٍ فِي أَوْقَاتٍ قَدْ يَكُونُ لِلْعَبْدِ فِيهَا اشْتِغَالٌ بِمَا يَهْوَى أَوْ بِمَا يُحَصِّلُ مِنْهُ مَالًا أَوْ لَذَّةً. وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُ كُثَيِّرٍ:
فَقُلْتُ لَهَا يَا عَزُّ كُلُّ مُصِيبَةٍ ... إِذَا وُطِّنَتْ يَوْمًا لَهَا النَّفْسُ ذَلَّتِ
وَأَحْسَبُ أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ قَصَدَ الشَّارِعُ مِنْهَا هَذَا الْمَعْنَى وَأَعْظَمَهُا الصَّوْمُ.
وَلَا يَصِحُّ حَمْلُ الْخُشُوعِ هُنَا عَلَى خُصُوصِ الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ بِسَبَبِ الْحَالِ الْحَاصِلِ فِي النَّفْسِ بِاسْتِشْعَارِ الْعَبْدِ الْوُقُوفَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى حَسْبَمَا شَرَحَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنَ «الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلُ» وَهُوَ الْمَعْنَى الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 1، 2] ، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ صِفَاتِ الصَّلَاةِ وَكَمَالِ الْمُصَلِّي فَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ هُوَ الْمُخَفِّفَ لِكُلْفَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُسْتَعِينِ بِالصَّلَاةِ كَمَا لَا يَخْفَى.
وَقَدْ وَصَفَ تَعَالَى الْخَاشِعِينَ بِأَنَّهُمْ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
وَهِيَ صِلَةٌ لَهَا مَزِيدُ اتِّصَالٍ بِمَعْنَى الْخُشُوعِ فَفِيهَا مَعْنَى التَّفْسِيرِ لِلْخَاشِعِينَ وَمَعْنَى بَيَانِ مَنْشَأِ خُشُوعِهِمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الظَّنِّ هُنَا الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ وَإِطْلَاقُ الظَّنِّ فِي كَلَامُُِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 480
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست