responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 487
وَقد أَشَارَ لذَلِك قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ [الْمَائِدَة: 18] .
وَقَدْ تَمَسَّكَ الْمُعْتَزِلَةُ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِلِاحْتِجَاجِ لِقَوْلِهِمْ بِنَفْيِ الشَّفَاعَةِ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِعُمُومِ (نَفْسٍ) فِي سِيَاقِ النَّفْيِ الْمُقْتَضِي أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ لَا يقبل مِنْهَا شَفَاعَة وَهُوَ عُمُومٌ لَمْ يَرِدْ مَا يُخَصِّصُهُ عِنْدَهُمْ. وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَصْحَابِ الْأَشْعَرِيِّ.
وَاتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ثُبُوتِ الشَّفَاعَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلطَّائِعِينَ وَالتَّائِبِينَ لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ،
لم يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ الْأَشَاعِرَةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ فَهَذَا اتِّفَاقٌ عَلَى تَخْصِيصِ الْعُمُومِ ابْتِدَاءً، وَالْخِلَافُ فِي الشَّفَاعَةِ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ فَعِنْدَنَا تَقَعُ الشَّفَاعَةُ لَهُم فِي حط السَّيِّئَاتِ وَقْتَ الْحِسَابِ أَوْ بَعْدَ دُخُولِ جَهَنَّمَ لِمَا اشْتُهِرَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِك
كَقَوْلِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لكل نبيء دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ وَقَدِ ادَّخَرْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي»
وَغَيْرَ ذَلِكَ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ: إِنَّ الْأَحَادِيثَ فِي ذَلِكَ بَلَغَتْ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ الْمَعْنَوِيِّ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي نَقْلِ كَلَامِهِ.
وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ لَا شَفَاعَةَ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ لِوُجُوهٍ مِنْهَا الْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى عَدَمِ نَفْعِ الشَّفَاعَةِ كَهَاتِهِ الْآيَةِ، وَقَوْلِهِ: فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر: 48] . مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ [الْبَقَرَة: 254] مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ [غَافِر: 18] قَالُوا وَالْمَعْصِيَةُ ظُلْمٌ. وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى [الْأَنْبِيَاء:
28] وَصَاحِبُ الْكَبِيرَةِ لَيْسَ بِمُرْتَضًى، وَمِنْهَا قَوْلُهُ: فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا [غَافِر: 7] .
وَالْجَوَابُ عَنِ الْجَمِيعِ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْكَافِرِينَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَأَنَّ قَوْلَهُ:
لِمَنِ ارْتَضى يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هُنَالِكَ إِذْنًا فِي الشَّفَاعَةِ كَمَا قَالَ: إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [سبأ:
23] وَإِلَّا لَكَانَ الْإِسْلَامُ مَعَ ارْتِكَابِ بَعْضِ الْمَعَاصِي مُسَاوِيًا لِلْكُفْرِ وَهَذَا لَا تَرْضَى بِهِ حِكْمَةُ اللَّهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا فَدُعَاءٌ لَا شَفَاعَةٌ.
وَالظَّاهِرُ أَنِ الَّذِي دَعَا الْمُعْتَزِلَةَ إِلَى إِنْكَارِ الشَّفَاعَةِ مُنَافَاتُهَا لِخُلُودِ صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ فِي الْعَذَابِ الَّذِي هُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِهِمُ الَّذِينَ فَسَّرُوا قَوْلَ وَاصِلِ بْنِ عَطَاءٍ بِالْمَنْزِلَةِ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ بِمَعْنَى إِعْطَاءِ الْعَاصِي حُكْمَ الْمُسْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَحُكْمَ الْكَافِرِ فِي الْآخِرَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الشَّفَاعَةَ تُنَافِي هَذَا الْأَصْلَ، فَمَا تَمَسَّكُوا مِنَ الْآيَاتِ إِنَّمَا هُوَ لِقَصْدِ التَّأْبِيدِ وَمُقَابَلَةِ أَدِلَّةِ أهل السّنة أَمْثَالهَا.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 487
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست