responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 492
مِثْلُ هَذَا عَلَى رَئِيسِ مَمْلَكَةٍ فَيُفْنِي بِهِ فَرِيقًا مِنْ رَعَايَاهُ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْكَهَنَةُ قَدْ أَغْرَوْا فِرْعَوْنَ بِالْيَهُودِ قَصْدًا لِتَخْلِيصِ الْمَمْلَكَةِ مِنَ الْغُرَبَاءِ أَوْ تَفَرَّسُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سُوءَ النَّوَايَا فَابْتَكَرُوا ذَلِكَ الْإِنْبَاءَ الْكَهَنُوتِيَّ لِإِقْنَاعِ فِرْعَوْنَ، بِوُجُوبِ الْحَذَرِ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ وَلَعَلَّ ذَبْحَ الْأَبْنَاءِ كَانَ مِنْ فِعْلِ الْمِصْرِيِّينَ اسْتِخْفَافًا بِالْيَهُودِ، فَكَانُوا يَقْتُلُونَ الْيَهُودِيَّ فِي الْخِصَامِ الْقَلِيلِ كَمَا أَنْبَأَتْ بِذَلِكَ آيَةُ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ [الْقَصَص: 15] وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّارِيخَ يُفِيدُ عَلَى الْإِجْمَالِ أَنَّ عَدَاوَةً عَظِيمَةً نَشَأَتْ بَيْنَ الْقِبْطِ وَالْيَهُودِ آلَتْ إِلَى أَنِ اسْتَأْصَلَ الْقِبْطُ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ. وَلَقَدْ أَبْدَعَ الْقُرْآنُ فِي إِجْمَالِهَا إِذْ كَانَتْ تَفَاصِيلُ إِجْمَالِهَا كَثِيرَةً لَا يَتَعَلَّقُ غَرَضُ التَّذْكِيرِ بِبَيَانِهَا.
وَجُمْلَةُ: يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ حَالٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَحْصُلُ بِهَا بَيَانُ مَا وَقَعَ الْإِنْجَاءُ مِنْهُ وَهُوَ الْعَذَابُ الشَّدِيدُ الَّذِي كَانَ الْإِسْرَائِيلِيُّونَ يُلَاقُونَهُ مِنْ مُعَامَلَةِ الْقِبْطِ لَهُمْ.
وَمَعْنَى يَسُومُونَكُمْ يُعَامِلُونَكُمْ مُعَامَلَةَ الْمَحْقُوقِ بِمَا عُومِلَ بِهِ يُقَالُ سَامَهُ خَسْفًا إِذَا أَذَلَّهُ وَاحْتَقَرَهُ فَاسْتَعْمَلَ سَامَ فِي مَعْنَى أَنَالَ وَأَعْطَى وَلِذَلِكَ يُعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ لَيْسَ أَصْلَهُمَا الْمُبْتَدَأَ وَالْخَبَرَ. وَحَقِيقَةُ سَامَ عَرَضَ السَّوْمَ أَيِ الثَّمَنَ.
وَسُوء الْعَذَابِ أَشَدَّهُ وَأَفْظَعَهُ وَهُوَ عَذَابُ التَّسْخِيرِ وَالْإِرْهَاقِ وَتَسْلِيطِ الْعِقَابِ الشَّدِيدِ بِتَذْبِيحِ الْأَبْنَاءِ وَسَبْيِ النِّسَاءِ وَالْمَعْنَى يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَ آبَائِكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَ قَوْمِكُمُ الْأَوَّلِينَ.
وَالْمُرَادُ مِنَ الْأَبْنَاءِ قِيلَ أَطْفَالُ الْيَهُودِ وَقِيلَ: أُرِيدَ بِهِ الرِّجَالُ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِالنِّسَاءِ وَهَذَا الْوَجْهُ أَظْهَرُ وَأَوْفَقُ بِأَحْوَالِ الْأُمَمِ إِذِ الْمَظْنُونُ أَنَّ الْمَحْقَ وَالِاسْتِئْصَالَ إِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ الْكِبَارُ، وَلِأَنَّهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تَكُونُ الْآيَةُ سَكَتَتْ عَنِ الرِّجَالِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يُذَبِّحُونَ الصِّغَارَ قَطْعًا لِلنَّسْلِ وَيَسْبُونَ الْأُمَّهَاتِ اسْتِعْبَادًا لَهُنَّ وَيُبْقُونَ الرِّجَالَ لِلْخِدْمَةِ حَتَّى يَنْقَرِضُوا عَلَى سَبِيلِ التَّدْرِيجِ. وَإِبْقَاءُ الرِّجَالِ فِي مِثْلِ هَاتِهِ الْحَالَةِ أَشَدُّ مِنْ قَتْلِهِمْ. أَوْ لَعَلَّ تَقْصِيرًا ظَهَرَ مِنْ نِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُرْضِعَاتِ الْأَطْفَالِ وَمُرَبِّيَاتِ الصِّغَارِ وَكَانَ سَببه شغلهن بشؤون أَبْنَائِهِنَّ فَكَانَ الْمُسْتَعْبِدُونَ لَهُمْ إِذَا غَضِبُوا مِنْ ذَلِكَ قَتَلُوا الطِّفْلَ.
وَالِاسْتِحْيَاءُ اسْتِفْعَالٌ يَدُلُّ عَلَى الطَّلَبِ لِلْحَيَاةِ أَيْ يُبْقُونَهُنَّ أَحْيَاءً أَوْ يَطْلُبُونَ حَيَاتَهُنَّ.
وَوَجْهُ ذِكْرِهِ هُنَا فِي مَعْرِضِ التَّذْكِيرِ بِمَا نَالَهُمْ مِنَ الْمَصَائِبِ أَنَّ هَذَا الِاسْتِحْيَاءَ لِلْإِنَاثِ كَانَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 492
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست