responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 500
وَهَذِهِ أَيْضًا حَالَةٌ غَرِيبَةٌ لِأَنَّ شَأْنَ التَّغَيُّرِ عَنِ الْعَهْدِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ طُولِ الْمَغِيبِ عَلَى أَنَّهُ ضَعْفٌ فِي الْعَهْدِ كَمَا قَالَ الْحَرْثُ بْنُ كِلْدَةَ:
فَمَا أَدْرِي أَغَيَّرَهُمْ تَنَاءٍ ... وَطُولُ الْعَهْدِ أَمْ مَالٌ أَصَابُوا

فَفِي قَوْلِهِ: مِنْ بَعْدِهِ تَعْرِيضٌ بِقِلَّةِ وَفَائِهِمْ فِي حِفْظِ عَهْدِ مُوسَى.
وَقَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِهِ أَيْ بَعْدَ مَغِيبِهِ وَتَقْدِيرُ الْمُضَافِ مَعَ بَعْدِ الْمُضَافِ إِلَى اسْمِ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُ شَائِعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لِظُهُورِهِ بِحَسَبِ الْمَقَامِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَا يَعْنِيهِ مِنَ الْمَقَامِ فَالْأَكْثَرُ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا [غَافِر: 34] وَقَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى [الْبَقَرَة: 246] .
وَإِنَّمَا اتَّخَذُوا الْعِجْلَ تَشَبُّهًا بِالْكَنْعَانِيِّينَ الَّذِينَ دَخَلُوا إِلَى أَرْضِهِمْ وَهُمُ الْفِنِيقِيُّونَ سُكَّانُ سَوَاحِلِ بِلَادِ الشَّامِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَبَدَةَ أَوْثَانٍ وَكَانَ الْعِجْلُ مُقَدَّسًا عِنْدَهُمْ وَكَانُوا يُمَثِّلُونَ أَعْظَمَ الْآلِهَةِ عِنْدَهُمْ بِصُورَةِ إِنْسَانٍ مِنْ نُحَاسٍ لَهُ رَأْسُ عِجْلٍ جَالِسٍ عَلَى كُرْسِيٍّ مَادًّا ذِرَاعَيْهِ كَمُتَنَاوِلِ شَيْءٍ يَحْتَضِنُهُ وَكَانُوا يَحْمُونَهُ بِالنَّارِ مِنْ حُفْرَةٍ تَحْتَ كُرْسِيِّهِ لَا يَتَفَطَّنُ لَهَا النَّاسُ فَكَانُوا يُقَرِّبُونَ إِلَيْهِ الْقَرَابِينَ وَرُبَّمَا قَرَّبُوا لَهُ أَطْفَالَهُمْ صِغَارًا فَإِذَا وُضِعَ الطِّفْلُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ اشْتَوَى فَظَنُّوا ذَلِكَ أَمَارَةَ قَبُولِ الْقُرْبَانِ فَتَبًّا لِجَهْلِهِمْ وَمَا يَصْنَعُونَ. وَكَانَ يُسَمَّى عِنْدَهُمْ
«بَعْلًا» وَرُبَّمَا سَمَّوْهُ «مَوْلُوكَ» وَهُمْ أُمَّةٌ سَامِيَةٌ لُغَتُهَا وَعَوَائِدُهَا تُشْبِهُ فِي الْغَالِبِ لُغَةَ وَعَوَائِدَ الْعَرَبِ فَلَمَّا مَرَّ بِهِمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَالُوا لِمُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ [الْأَعْرَاف: 138] فَانْتَهَرَهُمْ مُوسَى وَكَانُوا يَخْشَوْنَهُ فَلَمَّا ذَهَبَ لِلْمُنَاجَاةِ وَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ هَارُونَ اسْتَضْعَفُوهُ وَظَنُّوا أَنَّ مُوسَى هَلَكَ فَاتَّخَذُوا الْعِجْلَ الَّذِي صَنَعُوهُ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مِنْ حُلِيِّهِمْ وَعَبَدُوهُ.
وَقَوْلُهُ: وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ حَالٌ مُقَيِّدَةٌ لِاتَّخَذْتُمْ لِيَكُونَ الِاتِّخَاذُ مُقْتَرِنًا بِالظُّلْمِ مِنْ مَبْدَئِهِ إِلَى مُنْتَهَاهُ وَفَائِدَةُ الْحَالِ الْإِشْعَارُ بِانْقِطَاعِ عُذْرِهِمْ فِيمَا صَنَعُوا وَأَنْ لَا تَأْوِيلَ لَهُمْ فِي عِبَادَةِ الْعِجْلِ أَوْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُدَّةَ إِقَامَتِهِمْ بِمِصْرَ مُلَازِمِينَ لِلتَّوْحِيدِ مُحَافِظِينَ عَلَى وَصِيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَيَعْقُوبَ لِذُرِّيَّتِهِمَا بِمُلَازَمَةِ التَّوْحِيدِ فَكَانَ انتقالهم إِلَى الشّرك بَعْدَ أَنْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ انْتِقَالًا عَجِيبًا. فَلِذَلِكَ كَانُوا ظَالِمِينَ فِي هَذَا الصُّنْعِ ظُلْمًا مُضَاعَفًا فَالظَّاهِرُ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالظُّلْمِ فِي هَاتِهِ الْآيَةِ الشِّرْكَ وَالْكُفْرَ وَإِنْ كَانَ مِنْ مَعَانِي الظُّلْمِ فِي اصْطِلَاحِ الْقُرْآنِ لِظُهُورِ أَنَّ اتِّخَاذَ الْعِجْلُُِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 500
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست