responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 552
سَالِمَةً مِنْ آثَارِ الْخِدْمَةِ لَيْسَ مِمَّا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ تَكْلِيفِهِمْ أَوَّلَ الْأَمْرِ وَهُوَ الْحَقُّ، إِذْ كَيْفَ تَكُونُ تِلْكَ الْأَوْصَاف مُرَادة مَعَ أَنَّهَا أَوْصَافٌ طَرْدِيَّةٌ لَا أَثَرَ لَهَا فِي حِكْمَةِ الْأَمْرِ بِالذَّبْحِ لِأَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ أَمْرًا بِذَبْحِهَا لِلصَّدَقَةِ أَوْ لِلْقُرْبَانِ أَوْ لِلرَّشِّ عَلَى النَّجَسِ أَوْ لِلْقَسَامَةِ فَلَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْ هَاتِهِ الصِّفَاتِ مُنَاسِبَةٌ لِلْحُكْمِ، وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ أَمْرَهُمْ بِهَاتِهِ الصِّفَاتِ كُلِّهَا هُوَ تَشْرِيعٌ طَارِئٌ قُصِدَ مِنْهُ تَأْدِيبُهُمْ عَلَى سُؤَالِهِمْ فَإِنْ كَانَ سُؤَالُهُمْ لِلْمَطْلِ وَالتَّنَصُّلِ فَطَلَبُ تِلْكَ الصِّفَاتِ الْمُشِقَّةِ عَلَيْهِمْ تَأْدِيبٌ عَلَى سُوءِ الْخُلُقِ وَالتَّذَرُّعِ لِلْعِصْيَانِ، وَإِنْ كَانَ سُؤَالًا نَاشِئًا عَنْ ظَنِّهِمْ أَنَّ الِاهْتِمَامَ بِهَاتِهِ الْبَقَرَةِ يَقْتَضِي أَنْ يُرَادَ مِنْهَا صِفَاتٌ نَادِرَةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِمْ بَعْدُ: وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ [الْبَقَرَة: 70] فَتَكْلِيفُهُمْ بِهَاتِهِ الصِّفَاتِ الْعَسِيرِ وَجُودُهَا مُجْتَمِعَةً تَأْدِيبٌ عِلْمِيٌّ عَلَى سُوءِ فَهْمِهِمْ فِي التَّشْرِيعِ كَمَا يُؤَدَّبُ طَالِبُ الْعِلْمِ إِذَا سَأَلَ سُؤَالًا لَا يَلِيقُ بِرُتْبَتِهِ فِي الْعِلْمِ. وَقَدْ قَالَ عُمَرُ لِأَبِي عُبَيْدَةَ فِي وَاقِعَةِ الْفِرَارِ مِنَ الطَّاعُونِ «لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ» . وَمِنْ ضُرُوبِ التَّأْدِيبِ الْحَمْلُ عَلَى عَمَلٍ شَاقٍّ، وَقَدْ أَدَّبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّهُ عَبَّاسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ على الْحِرْص حِينَ حَمَلَ مِنْ خُمْسِ مَالِ الْمَغْنَمِ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُقِلَّهُ فَقَالَ لَهُ: مر أحدا رَفعه لِي فَقَالَ: لَا آمُرُ أَحَدًا فَقَالَ لَهُ: ارْفَعْهُ أَنْتَ لِي فَقَالَ: لَا، حَتَّى جَعَلَ الْعَبَّاسُ يَحْثُو مِنَ الْمَالِ وَيُرْجِعُهُ لِصُبْرَتِهِ إِلَى أَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَحْمِلَ مَا بَقِيَ فَذَهَبَ وَالنَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ تَعَجُّبًا مِنْ حِرْصِهِ كَمَا فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» .
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَكْلِيفٌ لِقَصْدِ التَّأْدِيبِ أَنَّ الْآيَةَ سِيقَتْ مَسَاقَ الذَّمِّ لَهُمْ، وَعُدَّتِ الْقِصَّةُ فِي عِدَادِ قَصَصِ مَسَاوِيهِمْ وَسُوءِ تَلَقِّيهِمْ لِلشَّرِيعَةِ بِأَصْنَافٍ مِنَ التَّقْصِيرِ عَمَلًا وَشُكْرًا وَفَهْمًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى آخِرَ الْآيَاتِ: وَما كادُوا يَفْعَلُونَ [الْبَقَرَة: 71] مَعَ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ ذَبَحُوا أَيَّ بَقَرَةٍ أَجْزَأَتْهُمْ وَلَكِنْ شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.
وَبِهَذَا تَعْلَمُونَ أَنْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ وَلَا عَلَى وُقُوعِ النَّسْخِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ لِأَنَّ مَا طَرَأَ تَكْلِيفٌ خَاصٌّ لِلْإِعْنَاتِ، عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ لَيْسَتْ بِنَسْخٍ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، وَتَسْمِيَتُهَا بِالنَّسْخِ اصْطِلَاح القدماء.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 552
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست