responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 564
بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشَّمْسِ فِي رَوْنَقِ الضُّحَى ... وَصُورَتِهَا أَوْ أَنْتِ فِي الْعَيْنِ أَمْلَحُ
فَلَيْسَتْ (أَوْ) لِلتَّخْيِيرِ فِي التَّشْبِيهِ أَيْ لَيْسَتْ عَاطِفَةً عَلَى قَوْلِهِ الْحِجَارَةِ الْمَجْرُورَةِ بِالْكَافِ لِأَنَّ تِلْكَ لَهَا مَوْقِعٌ مَا إِذَا كُرِّرَ الْمُشَبَّهُ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ [الْبَقَرَة: 19] . وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّخْيِيرِ فِي الْأَخْبَارِ عَطْفًا عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ كَالْحِجارَةِ أَيْ فَهِيَ مِثْلُ الْحِجَارَةِ أَوْ هِيَ أَقْوَى مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنَ التَّخْيِيرِ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَرْمِي بِكَلَامِهِ جُزَافًا وَلَا يَذُمُّهُمْ تَحَامُلًا بَلْ هُوَ مُتَثَبِّتٌ مُتَحَرٍّ فِي شَأْنِهِمْ فَلَا يُثْبِتُ لَهُمْ إِلَّا مَا تَبَيَّنَ لَهُ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَالتَّقَصِّي فَإِنَّهُ سَاوَاهُمْ بِالْحِجَارَةِ فِي وَصْفٍ ثُمَّ تَقَصَّى فَرَأَى أَنَّهُمْ فِيهِ أَقْوَى فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لِلْمُخَاطَبِ إِنْ شِئْتَ فَسَوِّهِمْ بِالْحِجَارَةِ فِي الْقَسْوَةِ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ هُمْ أَشَدُّ مِنْهَا وَذَلِكَ يُفِيدُ مَفَادَ الِانْتِقَالِ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ بَلْ وَهُوَ إِنَّمَا يَحْسُنُ فِي مَقَامِ الذَّمِّ لِأَنَّ فِيهِ تَلَطُّفًا وَأَمَّا فِي مَقَامِ الْمَدْحِ فَالْأَحْسَنُ هُوَ التَّعْبِيرُ بِبَلْ كَقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ:
فَقَالَتْ لَنَا أَهْلَا وَسَهْلًا وَزَوَّدَتْ ... جَنَى النَّحْلِ بَلْ مَا زَوَّدَتْ مِنْهُ أَطْيَبُ
وَوَجْهُ تَفْضِيلِ تِلْكَ الْقُلُوبِ عَلَى الْحِجَارَةِ فِي الْقَسَاوَةِ أَنَّ الْقَسَاوَةَ الَّتِي اتَّصَفَتْ بِهَا الْقُلُوبُ مَعَ كَوْنِهَا نَوْعًا مُغَايِرًا لِنَوْعِ قَسَاوَةِ الْحِجَارَةِ قَدِ اشْتَرَكَا فِي جِنْسِ الْقَسَاوَةِ الرَّاجِعَةِ إِلَى مَعْنَى عَدَمِ قَبُولِ التَّحَوُّلِ كَمَا تَقَدَّمَ فَهَذِهِ الْقُلُوبُ قَسَاوَتُهَا عِنْدَ التَّمْحِيصِ أَشَدُّ مِنْ قَسَاوَةِ
الْحِجَارَةِ لِأَنَّ الْحِجَارَةَ قَدْ يَعْتَرِيهَا التَّحَوُّلُ عَنْ صَلَابَتِهَا وَشِدَّتِهَا بِالتَّفَرُّقِ وَالتَّشَقُّقِ وَهَذِهِ الْقُلُوبُ لَمْ تُجْدِ فِيهَا مُحَاوَلَةٌ.
وَقَوْلُهُ: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ إِلَخْ تَعْلِيلٌ لِوَجْهِ التَّفْضِيلِ إِذْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُسْتَغْرَبَ، وَمَوْقِعُ هَذِهِ الْوَاوِ الْأُولَى فِي قَوْلِهِ: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ عَسِيرٌ فَقِيلَ: هِيَ لِلْحَالِ مِنَ الْحِجَارَةِ الْمُقَدَّرَةِ بَعْدَ (أَشَدُّ) أَيْ أَشَدُّ مِنَ الْحِجَارَةِ قَسْوَةً، أَيْ تَفْضِيلُ الْقُلُوبِ عَلَى الْحِجَارَةِ فِي الْقَسْوَةِ يَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الَّتِي وُصِفَتْ بِهَا الْحِجَارَةُ وَمَعْنَى التَّقْيِيدِ أَنَّ التَّفْضِيلَ أَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ، وَقِيلَ هِيَ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ: فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً قَالَه التفتازانيّ، وَكَأَنَّهُ يَجْعَلُ مَضْمُونَ هَذِهِ الْمَعْطُوفَاتِ غَيْرَ رَاجِعٍ إِلَى مَعْنَى تَشْبِيهِ الْقُلُوبِ بِالْحِجَارَةِ فِي الْقَسَاوَةِ بَلْ يَجْعَلُهَا إِخْبَارًا عَنْ مَزَايَا فُضِّلَتْ بِهَا الْحِجَارَةُ عَلَى قُلُوبِ هَؤُلَاءِ بِمَا يَحْصُلُ عَنْ هَذِهِ الْحِجَارَةِ مِنْ مَنَافِعَ فِي حِينِ تُعَطَّلُ قُلُوبُ هَؤُلَاءِ مِنْ صُدُورِ النَّفْعِ بِهَا، وَقِيلَ: الْوَاوُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ وَهُوَ تَذْيِيلٌ لِلْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ وَفِيهِ بُعْدٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا الْوَاوُُُ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 564
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست