responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 600
لَا تَعِي مَا تَقُولُ وَلَو كَانَ حَقًا لَوَعَتْهُ، وَهَذَانِ الْمَعْنَيَانِ اللَّذَانِ تَضَمَّنَهُمَا لِتَوْجِيهٍ يُلَاقِيهِمَا الرَّدُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ أَيْ لَيْسَ عَدَمُ إِيمَانِهِمْ لِقُصُورٍ فِي أَفْهَامِهِمْ وَلَا لِرَبْوِهَا عَنْ قَبُولِ مِثْلِ مَا دُعُوا إِلَيْهِ وَلَكِنْ لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا فَلَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكَفْرِهِمْ وَأَبْعَدَهُمْ عَنِ الْخَيْرِ وَأَسْبَابِهِ. وَبِهَذَا حَصَلَ الْمَعْنَيَانِ الْمُرَادَانِ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى فَرْضِ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ (غُلْفٌ) جَمْعَ غِلَافٍ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ فِي حَذْفِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ حَتَّى يُقَدِّرَ أَنَّهَا أَوْعِيَةٌ لِلْعِلْمِ وَالْحَقِّ فَلَا يَتَسَرَّبُ إِلَيْهَا الْبَاطِلُ.
وَقَوْلُهُ: بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ تَسْجِيلٌ عَلَيْهِمْ وَفَضْحٌ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ صَمَّمُوا عَلَى الْكُفْرِ وَالتَّمَسُّكِ بِدِينِهِمْ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ لِحُجَّةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا صَمَّمُوا عَلَى ذَلِكَ عَاقَبَهُمُ اللَّهُ بِاللَّعْنِ وَالْإِبْعَادِ عَنِ الرَّحْمَةِ وَالْخَيْرِ فَحَرَمَهُمُ التَّوْفِيقَ وَالتَّبَصُّرَ فِي دَلَائِلِ صِدْقِ الرَّسُولِ، فَاللَّعْنَةُ حَصَلَتْ لَهُمْ عِقَابًا عَلَى التَّصْمِيمِ عَلَى الْكُفْرِ وَعَلَى الْإِعْرَاضِ عَنِ الْحَقِّ وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ لِمَا أُوهِمُوهُ مِنْ أَنَّ قُلُوبَهُمْ خُلِقَتْ بَعِيدَةً عَنِ الْفَهْمِ لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُمْ كَسَائِرِ الْعُقَلَاءِ مُسْتَطِيعِينَ لِإِدْرَاكِ الْحَقِّ لَوْ تَوَجَّهُوا إِلَيْهِ بِالنَّظَرِ وَتَرْكِ الْمُكَابَرَةِ وَهَذَا مُعْتَقَدُ أَهْلِ الْحَقِّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَدَا الْجَبْرِيَّةِ.
وَقَوْلُهُ: فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ تَفْرِيعٌ على لَعَنَهُمُ وفَقَلِيلًا صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ وَالتَّقْدِيرُ فَإِيمَانًا قَلِيلًا وَمَا زَائِدَةٌ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّقْلِيلِ وَالضَّمِيرُ لِمَجْمُوعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (قَلِيلًا) صِفَةً لِلزَّمَانِ الَّذِي يَسْتَلْزِمُهُ الْفِعْلُ أَيْ فَحِينًا قَلِيلا يُؤمنُونَ. وَقيل يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا عَلَى حَقِيقَتِهِ مُشَارًا بِهِ إِلَى إِيمَانِهِمْ بِبَعْضِ الْكِتَابِ أَوْ إِلَى إِيمَانِهِمْ بِبَعْضِ مَا يَدْعُو لَهُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يُوَافِقُ دِينَهُمُ الْقَدِيم كالتوحيد ونبوءة مُوسَى أَوْ إِلَى إِيمَانِ أَفْرَادٍ
مِنْهُمْ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فَإِنَّ إِيمَانَ أَفْرَادٍ قَلِيلَةٍ مِنْهُمْ يَسْتَلْزِمُ صُدُورَ إِيمَانٍ مِنْ مَجْمُوعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي أَزْمِنَةٍ قَلِيلَةٍ أَوْ حُصُولَ إِيمَانَاتٍ قَلِيلَةٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (قَلِيلًا) هُنَا مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَى الْعَدَمِ فَإِنَّ الْقِلَّةَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْعَدَمِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَالَ أَبُو كَبِيرٍ الْهُذَلِيُّ:
قَلِيلُ التَّشَكِّي لِلْمُهِمِّ يُصِيبُهُ ... كَثِيرُ الْهَوَى شَتَّى النَّوَى وَالْمَسَالِكِ
أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَتَشَكَّى، وَقَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ فِي أَرْضِ نَصِيبِينَ «كَثِيرَةُ الْعَقَارِبِ قَلِيلَةُ الْأَقَارِبِ» أَرَادَ عَدِيمَةَ الْأَقَارِبِ وَيَقُولُونَ: فُلَانٌ قَلِيلُ الْحَيَاءِ وَذَلِكَ كُلُّهُ إِمَّا مَجَازٌ لِأَنَّ الْقَلِيلَ شُبِّهَ بِالْعَدَمِ وَإِمَّا كِنَايَةٌ وَهُوَ أَظْهَرُ لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا قَلَّ آلَ إِلَى الِاضْمِحْلَالُُِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 600
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست