responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 608
الْقُرْآنِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ لِتَقَدُّمِ قَوْلِهِ: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلِتَعْقِيبِهِ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً.
وَجُمْلَةُ وَهُوَ الْحَقُّ حَالِيَّةٌ وَاللَّامُ فِي (الْحَقِّ) لِلْجِنْسِ وَالْمَقْصُودُ اشْتِهَارُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ بِهَذَا الْجِنْسِ أَيْ وَهُوَ الْمُشْتَهِرُ بِالْحَقِّيَّةِ الْمُسَلَّمِ ذَلِكَ لَهُ عَلَى حَدِّ قَوْلِ حَسَّانَ:
وَإِنَّ سَنَامَ الْمَجْدِ من آل هِشَام ... بَنُو بِنْتِ مَخْزُومٍ وَوَالِدُكَ الْعَبْدُ
لَمْ يُرِدْ حَسَّانُ انْحِصَارَ الْعُبُودِيَّةِ فِي الْوَالِدِ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ الْمَعْرُوفُ بِذَلِكَ الْمُشْتَهِرُ بِهِ فَلَيْسَتِ اللَّامُ هُنَا مُفِيدَةً لِلْحَصْرِ لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْمُسْنَدِ بِاللَّامِ لَا تَطَّرِدُ إِفَادَتُهُ الْحَصْرَ عَلَى مَا فِي «دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ» . وَقِيلَ يُفِيدُ الْحَصْرَ بِاعْتِبَارِ الْقَيْدِ أَعْنِي قَوْلَهُ مُصَدِّقاً أَيْ هُوَ الْمُنْحَصِرُ فِي كَوْنِهِ حَقًّا مَعَ كَوْنِهِ مُصَدِّقًا فَإِنَّ غَيْرَهُ مِنَ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ حَقٌّ لَكِنَّهُ لَيْسَ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ وَلَعَلَّ صَاحِبَ هَذَا التَّفْسِيرِ يَعْتَبِرُ الْإِنْجِيلَ غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ لِتَصْدِيقِ التَّوْرَاةِ بَلْ مُقْتَصِرًا عَلَى تَحْلِيلِ بَعْضِ الْمُحَرَّمَاتِ وَذَلِكَ يُشْبِهُ عَدَمَ التَّصْدِيقِ. فَفِي الْآيَةِ صَدٌّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ مُقَابَلَةِ الْقُرْآنِ بِمِثْلِ مَا قَابَلُوا بِهِ الْإِنْجِيلَ وَزِيَادَةٌ فِي تَوْبِيخِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: مُصَدِّقاً حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ لِقَوْلِهِ: وَهُوَ الْحَقُّ وَهَذِهِ الْآيَةُ عَلَمٌ فِي التَّمْثِيلِ لِلْحَالِ الْمُؤَكِّدَةِ وَعِنْدِي أَنَّهَا حَالٌ مُؤَسِّسَةٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ مُشْعِرٌ بِوَصْفٍ زَائِدٍ عَلَى مَضْمُونٍ وَهُوَ الْحَقُّ إِذْ قَدْ يَكُونُ الْكِتَابُ حَقًّا وَلَا يُصَدِّقُ كِتَابًا آخَرَ وَلَا يُكَذِّبُهُ وَفِي مَجِيءِ الْحَالِ مِنَ الْحَالِ زِيَادَةٌ فِي استحضار شؤونهم وَهَيْئَاتِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ اعْتِرَاضٌ فِي أَثْنَاءِ ذِكْرِ أَحْوَالِهِمْ قَصَدَ بِهِ الرَّدَّ عَلَيْهِمْ فِي مَعْذِرَتِهِمْ هَذِهِ لِإِظْهَارِ أَن معاداة الْأَنْبِيَاء دَأْبٌ لَهُمْ وَأَنَّ قَوْلَهُمْ: نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا كَذِبٌ إِذْ لَوْ كَانَ حَقًّا لَمَا قتل أسلافهم الْأَنْبِيَاء الَّذِينَ هُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ وَدَعَوْهُمْ إِلَى تَأْيِيدِ التَّوْرَاةِ وَالْأَمْرِ بِالْعَمَلِ بِهَا وَلَكِنَّهُمْ يُعْرِضُونَ عَنْ كُلِّ مَا لَا يُوَافِقُ أَهْوَاءَهُمْ. وَهَذَا إِلْزَامٌ لِلْحَاضِرِينَ بِمَا فَعَلَهُ أَسْلَافُهُمْ لِأَنَّهُمْ
يَرَوْنَهُمْ عَلَى حَقٍّ فِيمَا فَعَلُوا من قتل الْأَنْبِيَاء.
وَالْإِتْيَانُ بِالْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ: تَقْتُلُونَ مَعَ أَنَّ الْقَتْلَ قَدْ مَضَى لِقَصْدِ اسْتِحْضَارِ الْحَالَةِ الْفَظِيعَةِ وَقَرِينَةُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: مِنْ قَبْلُ فَذَلِكَ كَمَا جَاءَ الْحُطَيْئَةُ بِالْمَاضِي مُرَادًا بِهِ الِاسْتِقْبَالُ فِي قَوْلِهِ:
شَهِدَ الْحُطَيْئَةُ يَوْمَ يَلْقَى رَبَّهُ ... أَنَّ الْوَلِيدَ أَحَقُّ بِالْعُذْرِ
بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ يَوْمَ يَلْقَى ربه.
وَالْمرَاد بِأَنْبِيَاء اللَّهِ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الْبَقَرَة: 61] .

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 608
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست