responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 635
وَلِذَلِكَ كَانَ أَكْثَرَ النَّاسِ قَابِلِيَّةً لَهُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَالْعَامَّةُ وَمَنْ يَتَعَجَّبُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ أَصُولِ السِّحْرِ إِلْقَاءُ أَقْوَالٍ كَاذِبَةٍ عَلَى الْمَسْحُورِ لِاخْتِبَارِ مِقْدَارِ عَقْلِهِ فِي التَّصْدِيقِ بِالْأَشْيَاءِ الْوَاهِيَةِ وَالثِّقَةِ بِالسَّاحِرِ، قَالَ تَعَالَى: وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [هود: 7] فَجَعَلُوا ذَلِكَ الْقَوْلَ الْغَرِيبَ سِحْرًا.
ثُمَّ تَحُفُّ بِالسِّحْرِ أَعْمَالٌ، الْقَصْدُ مِنْهَا التَّمْوِيهُ وَهَذِهِ الْأَعْمَالُ أَنْوَاعٌ:
نَوْعٌ: الْغَرَضُ مِنْهُ تَقْوِيَةُ اعْتِقَادِ السَّاحِرِ فِي نَجَاحِ عَمَلِهِ لِتَقْوَى عَزِيمَتُهُ فَيَشْتَدُّ تَأْثِيرُهُ عَلَى النُّفُوسِ وَهَذَا مِثْلُ تَلْقِينِ مُعَلِّمِي هَذَا الْفَنِّ تَلَامِذَتَهُمْ عِبَادَةَ كَوَاكِبَ وَمُنَاجَاتِهَا لِاسْتِخْدَامِ أَرْوَاحِهَا وَالِاسْتِنْجَادِ بِتِلْكَ الْأَرْوَاحِ عَلَى اسْتِخْدَامِ الْجِنِّ وَالْقُوَى الْمُتَعَاصِيَةِ لِيَعْتَقِدَ الْمُتَعَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ نَجَاحِ عَمَلِهِ فَيُقْدِمَ عَلَيْهِ بِعَزْمٍ، وَفِي ذَلِكَ تَأْثِيرٌ نَفْسَانِيٌّ عَجِيبٌ وَلِذَلِكَ يُسَمُّونَ تِلْكَ الْأَقْوَالَ وَالْمُنَاجَاةَ عَزَائِمَ- جَمْعُ عَزِيمَةٍ- وَيَقُولُونَ فُلَانٌ يَعْزِمُ إِذَا كَانَ يَسْحَرُ، ثُمَّ هُوَ إِذَا اسْتَكْمَلَ الْمَعْرِفَةَ قَدْ يَتَفَطَّنُ لِقِلَّةِ جَدْوَى تِلْكَ الْعَزَائِمِ وَقَدْ يَتَفَطَّنُ وَعَلَى كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ فَمُعَلِّمُوهُ لَا يَتَعَرَّضُونَ لَهُ فِي نِهَايَةِ التَّعْلِيمِ بِالتَّنْبِيهِ عَلَى فَسَادِ ذَلِكَ لِئَلَّا يُدْخِلُوا عَلَيْهِ الشُّكُوكَ فِي مَقْدِرَتِهِ، فَلِذَلِكَ بَقِيَتْ تِلْكَ الْأَوْهَامُ يَتَلَقَّاهَا الْأَخْلَافُ عَنْ أَسْلَافِهِمْ، وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ ضُرُوبٌ هِيَ فِي الْأَصْلِ تَجَارِبُ لِمِقْدَارِ طَاعَةِ الْمُتَعَلِّمِ لِمُعَلِّمِهِ بَقِيَتْ مُتَلَقَّاةً عِنْدَهُمْ عَنْ غَيْرِ بَصِيرَةٍ مِثْلَ ارْتِكَابِ الْخَبَائِثِ وَإِهَانَةِ الصَّالِحَاتِ وَالْأُمُورِ الْمُقَدَّسَةِ إِيهَامًا بِأَنَّهَا تُبَلِّغُ إِلَى مَرْضَاةِ الشَّيَاطِينِ وَتَسْخِيرِهَا، وَذَلِكَ فِي الْوَاقِعِ اخْتِبَارٌ لِمِقْدَارِ خُضُوعِ الْمُتَعَلِّمِ، لِأَنَّ أَكْبَرَ شَيْءٍ عَلَى النَّفْسِ نَبْذُ أَعَزِّ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ الدِّينُ، وَلِأَنَّ السَّحَرَةَ لَيْسُوا مِنَ الْمِلِّيِّينَ فَهُمْ يَبْلُغُونَ بِمُرِيدِيهِمْ إِلَى مَبَالِغِهِمُ السَّافِلَةِ، وَقَدْ سَمِعْنَا أَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يَتَعَاطَوْنَ السِّحْرَ فِي الْمُسْلِمِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَا يَتَأَتَّى لَهُمْ نَجَاحٌ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُلَطِّخُوا أَيْدِيَهُمْ بِالنَّجَاسَاتِ أَوْ نَحْوٍ مِنْ هَذَا الضَّلَالِ.
وَنَوْعٌ: الْغَرَضُ مِنْهُ إِخْفَاءُ الْأَسْبَابِ الْحَقِيقِيَّةِ لِتَمْوِيهَاتِهِمْ حَتَّى لَا يَطَّلِعَ النَّاسُ عَلَى كُنْهِهَا، فَيَسْتَنِدُونَ فِي تَعْلِيلِ أَعْمَالِهِمْ إِلَى أَسْبَابٍ كَاذِبَةٍ كَنِدَائِهِمْ بِأَسْمَاءٍ سَمَّوْهَا لَا مُسَمَّيَاتِ لَهَا وَوَضْعِهِمْ أَشْكَالًا عَلَى الْوَرَقِ أَوْ فِي الْجُدْرَانِ يَزْعُمُونَ أَنَّ لَهَا خَصَائِصَ التَّأْثِيرِ، وَاسْتِنَادِهِمْ لِطَوَالِعِ كَوَاكِبَ فِي أَوْقَاتٍ مُعَيَّنَةٍ لَا سِيَّمَا الْقَمَرِ، وَمِنْ هَذَا تَظَاهُرُهُمْ لِلنَّاسِ بِمَظْهَرِ الزُّهْدِ وَالْهِمَّةِ.
وَنَوْعٌ: يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى نُفُوذِ السِّحْرِ وَهُوَ التَّجَسُّسُ وَالتَّطَلُّعُ عَلَى خَفَايَا الْأَشْيَاءِ وَأَسْرَارِ النَّاسِ بِوَاسِطَةِ السَّعْيِ بِالنَّمِيمَةِ وَإِلْقَاءِ الْعَدَاوَاتِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَالْأَصْحَابِ وَالْأَزْوَاجِ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 635
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست