responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 645
تَأْثِيرُ حِيَلِهِ بِاخْتِلَافِ قَابِلِيَّةِ الْمَسْحُورِ، وَتِلْكَ الْقَابِلِيَّةُ مُتَفَاوِتَةٌ وَلَهَا أَحْوَالٌ كَثِيرَةٌ أَجْمَلَتْهَا الْآيَة بِالِاسْتِثْنَاءِ منقوله: إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أَيْ يَجْعَلُ اللَّهُ أَسْبَابَ الْقَابِلِيَّةِ لِأَثَرِ السِّحْرِ فِي بَعْضِ النُّفُوسِ فَهَذَا إِجْمَالٌ حَسَنٌ مُنَاسِبٌ لِحَالِ الْمُسْلِمِينَ الْمُوَجَّهِ إِلَيْهِمُ
الْكَلَامُ لِأَنَّهُمْ تَخَلَّقُوا بِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ وَلَيْسَ الْمَقَامُ مَقَامَ تَفْصِيلِ الْأَسْبَابِ وَالْمُؤَثِّرَاتِ وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ إِبْطَالُ أَنْ تَكُونَ للسحر حَالَة ذاتة وَقَوَاعِدُ غَيْرُ مُمَوَّهَةٍ، فَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِإِذْنِ اللَّهِ لِلْمُلَابَسَةِ.
وَأَصْلُ الْإِذْنِ فِي اللُّغَةِ هُوَ إِبَاحَةُ الْفِعْلِ، وَاسْتَأْذَنَ طَلَبَ الْإِذْنَ فِي الْفِعْلِ أَوْ فِي الدُّخُولِ لِلْبَيْتِ وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ الْقُرْآنُ مَجَازًا فِي مَعْنَى التَّمْكِينِ إِمَّا بِخَلْقِ أَسْبَابِ الْفِعْلِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ نَحْوَ قَوْلِهِ: وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي [الْمَائِدَة: 110] وَإِمَّا بِاسْتِمْرَارِ الْأَسْبَابِ الْمُودَعَةِ فِي الْأَشْيَاءِ وَالْقُوَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ [آل عمرَان: 166] فَقَوْلُهُ: وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أَيْ إِلَّا بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ فِي قَابِلِ السِّحْرِ مِنِ اسْتِعْدَادٍ لِأَنْ يُضَرَّ بِهِ فَإِنَّ هَذَا الِاسْتِعْدَادَ وَإِمْكَانَ التَّأَثُّرِ مَخْلُوقٌ فِي صَاحِبِهِ فَهُوَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَشِيئَتِهِ كَذَا قَرَّرَهُ الرَّاغِبُ وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى اسْتِعْمَالِ مِمَّا تُسْتَعْمَلُ فِيهِ كَلِمَةُ إِذَنْ (وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَنَظِيرِهِ لَفْظَةُ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرَّعْد: 11] أَيْ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُلْحِقُ أَضْرَارَهَا لِلنَّاسِ وَقَدِ اشْتُهِرَ هَذَا الِاسْتِعْمَالُ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ حَتَّى صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي مَعْنَى الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالْأَلْفَاظِ الَّتِي فَرَّقَ الْمُتَكَلِّمُونَ بَيْنَ مَدْلُولَاتِهَا وَهِيَ الرِّضَا وَالْمَحَبَّةُ وَالْأَمْرُ وَالْمَشِيئَةُ وَالْإِرَادَةُ) . فَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ السِّحْرَ قَدْ يَضُرُّ وَقَدْ لَا يَضُرُّ بَلِ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَضُرُّ مِنْهُ إِلَّا مَا كَانَ إِيصَالُ أَشْيَاءَ ضَارٌّ بِطَبْعِهَا وَقَوْلُهُ: وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ يَعْنِي مَا يَضُرُّ النَّاسَ ضُرًّا آخَرَ غَيْرَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ فَضَمِيرُ (يَضُرُّهُمْ) عَائِدٌ عَلَى غَيْرِ مَا عَادَ عَلَيْهِ ضَمِيرُ (يَتَعَلَّمُونَ) وَالْمَعْنَى أَنَّ أُمُورَ السِّحْرِ لَا يَأْتِي مِنْهَا إِلَّا الضُّرُّ أَيْ فِي الدُّنْيَا فَالسَّاحِرُ لَا يَسْتَطِيعُ سِحْرَ أَحَدٍ لِيَصِيرَ ذَكِيًّا بَعْدَ أَنْ كَانَ بَلِيدًا أَوْ لِيَصِيرَ غَنِيًّا بَعْدَ الْفَقْرِ وَهَذَا زِيَادَةُ تَنْبِيهٍ عَلَى سَخَافَةِ عُقُولِ الْمُشْتَغِلِينَ بِهِ وَهُوَ مَقْصِدُ الْآيَةِ وَبِهَذَا التَّفْسِيرِ يَكُونُ عَطْفُ قَوْلِهِ: وَلا يَنْفَعُهُمْ تَأْسِيسًا لَا تَأْكِيدًا وَالْمُلَاحَظُ فِي هَذَا الضُّرِّ وَالنَّفْعِ هُوَ مَا يَحْصُلُ فِي الدُّنْيَا وَأَمَّا حَالُهُمْ فِي الْآخِرَةِ فَسَيُفِيدُهُ قَوْلُهُ: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَقَدْ أَفَادَتِ الْآيَةُ بِجَمْعِهَا بَيْنَ إِثْبَاتِ الضُّرِّ وَنَفْيِ النَّفْعِ الَّذِي هُوَ ضِدُّهُ مُفَادَ الْحَصْرِ كَأَنَّهُ قِيلَ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا لَيْسَ إِلَّا ضُرًّا كَقَوْلِ السَّمَوْأَلِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْحَارِثِيِّ:

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 645
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست