responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 718
وَحِكَايَتُهَا كَأَنَّهَا مُشَاهَدَةٌ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ دَالٌّ عَلَى زَمَنِ الْحَالِ فَاسْتِعْمَالُهُ هُنَا اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ، شَبَّهَ الْمَاضِي بِالْحَالِ لِشُهْرَتِهِ وَلِتَكَرُّرِ الْحَدِيثِ عَنْهُ بَيْنَهُمْ فَإِنَّهُمْ لِحُبِّهِمْ إِبْرَاهِيمَ وَإِجْلَالِهِمْ إِيَّاهُ لَا يَزَالُونَ يَذْكُرُونَ مَنَاقِبَهُ وَأَعْظَمَهَا بِنَاءُ الْكَعْبَةِ فَشَبَّهَ الْمَاضِي لِذَلِكَ بِالْحَالِ وَلِأَنَّ مَا مَضَى مِنَ الْآيَاتِ فِي ذِكْرِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ [الْبَقَرَة: 124] إِلَى هُنَا مِمَّا يُوجِبُ امْتِلَاءَ أَذْهَانِ السامعين بإبراهيم وشؤونه حَتَّى كَأَنَّهُ حَاضِرٌ بَيْنَهُمْ وَكَأَنَّ أَحْوَالَهُ حَاضِرَةٌ مُشَاهَدَةٌ، وَكَلِمَةُ (إِذْ) قَرِينَةٌ عَلَى هَذَا التَّنْزِيلِ لِأَنَّ غَالِبَ الِاسْتِعْمَالِ أَنْ يَكُونَ لِلزَّمَنِ الْمَاضِي وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ النُّحَاةِ أَنَّ إِذْ تَخْلُصُ الْمُضَارِعَ إِلَى الْمَاضِي.
وَالْقَوَاعِدُ جَمْعُ قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَسَاسُ الْبِنَاءِ الْمُوَالِي لِلْأَرْضِ الَّذِي بِهِ ثَبَاتُ الْبِنَاءِ أُطْلِقَ عَلَيْهَا هَذَا اللَّفْظُ لِأَنَّهَا أَشْبَهَتِ الْقَاعِدَ فِي اللُّصُوقِ بِالْأَرْضِ فَأَصْلُ تَسْمِيَةِ الْقَاعِدَةِ مَجَازٌ عَنِ
اللُّصُوقِ بِالْأَرْضِ ثُمَّ عَنْ إِرَادَةِ الثَّبَاتِ فِي الْأَرْضِ وَهَاءُ التَّأْنِيثِ فِيهَا لِلْمُبَالَغَةِ مِثْلَ هَاءِ عَلَامَةٍ.
وَرَفْعُ الْقَوَاعِدِ إِبْرَازُهَا مِنَ الْأَرْضِ وَالِاعْتِلَاءُ بِهَا لِتَصِيرَ جِدَارًا لِأَنَّ الْبِنَاءَ يَتَّصِلُ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَيَصِيرُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَالْجِدَارُ إِذَا اتَّصَلَ بِالْأَسَاسِ صَارَ الْأَسَاسُ مُرْتَفِعًا، وَيَجُوزُ جَعْلُ الْقَوَاعِدِ بِمَعْنَى جُدْرَانِ الْبَيْتِ كَمَا سَمَّوْهَا بِالْأَرْكَانِ وَرَفَعُهَا إِطَالَتُهَا، وَقَدْ جَعَلَ ارْتِفَاعَ جُدْرَانِ الْبَيْتِ تِسْعَةَ أَذْرُعٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يُفَادَ مِنَ اخْتِيَارِ مَادَّةِ الرَّفْعِ دُونَ مَادَّةِ الْإِطَالَةِ وَنَحْوَهَا مَعْنَى التَّشْرِيفِ، وَفِي إِثْبَاتِ ذَلِكَ لِلْقَوَاعِدِ كِنَايَةٌ عَنْ ثُبُوتِهِ لِلْبَيْتِ، وَفِي إِسْنَادِ الرَّفْعِ بِهَذَا الْمَعْنَى إِلَى إِبْرَاهِيمَ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَبَبُ الرَّفْعِ الْمَذْكُورِ أَيْ بِدُعَائِهِ الْمُقَارِنِ لَهُ.
وَعَطْفُ إِسْمَاعِيلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ تَنْوِيهٌ بِهِ إِذْ كَانَ مُعَاوِنَهُ وَمُنَاوِلَهُ.
وَلِلْإِشَارَةِ إِلَى التَّفَاوُتِ بَيْنَ عَمَلِ إِبْرَاهِيمَ وَعَمَلِ إِسْمَاعِيلَ أُوقِعَ الْعَطْفُ عَلَى الْفَاعِلِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَفْعُولِ وَالْمُتَعَلِّقَاتِ، وَهَذَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْعَرَبِيَّةِ فِي أُسْلُوبِ الْعَطْفِ فِيمَا ظَهَرَ لِي وَلَا يَحْضُرُنِي الْآنَ مِثْلَهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أَنَّكَ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَدُلَّ عَلَى التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْفَاعِلِينَ فِي صُدُورِ الْفِعْلِ تَجْعَلُ عَطْفَ أَحَدِهِمَا بَعْدَ انْتِهَاءِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَاعِلِ الْأَوَّلِ، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَجْعَلَ الْمَعْطُوفَ وَالْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ سَوَاءً فِي صُدُورِ الْفِعْلِ تَجْعَلُ الْمَعْطُوفَ مُوَالِيًا لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ.
وَإِسْمَاعِيلُ اسْمُ الِابْنِ الْبِكْرِ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ وَلَدُهُ مِنْ جَارِيَتِهِ هَاجَرَ الْقِبْطِيَّةِ،

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 718
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست