responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 1  صفحه : 207
الْبَعُوضَةُ تَحْيَا مَا جَاعَتْ، فَإِذَا سَمِنَتْ مَاتَتْ. وَكَذَلِكَ مَثَلُ هَؤُلَاءِ [1] الْقَوْمِ الَّذِينَ ضُرِبَ لَهُمْ هَذَا الْمَثَلَ فِي الْقُرْآنِ، إِذَا امْتَلَؤُوا مِنَ الدُّنْيَا رِيًّا أَخَذَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ تَلَا {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الْأَنْعَامِ: 44] .
هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، بِنَحْوِهِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَهَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي سَبَبِ النُّزُولِ، وَقَدِ اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ مَا حَكَاهُ السُّدي؛ لِأَنَّهُ أَمَسُّ بِالسُّورَةِ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحْيِي، أَيْ: لَا يَسْتَنْكِفُ، وَقِيلَ: لَا يَخْشَى أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا، أَيْ: أَيَّ مَثَلٍ كَانَ، بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا.
وَ "مَا" هَاهُنَا لِلتَّقْلِيلِ [2] وَتَكُونُ {بَعُوضَةً} مَنْصُوبَةً عَلَى الْبَدَلِ، كَمَا تَقُولُ: لَأَضْرِبَنَّ ضَرْبًا مَا، فَيَصْدُقُ بِأَدْنَى شَيْءٍ [أَوْ تَكُونُ "مَا" نَكِرَةً مَوْصُوفَةً بِبَعُوضَةٍ] [3] . وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أن ما موصولة، و {بَعُوضَةً} مُعْرَبَةٌ بِإِعْرَابِهَا، قَالَ: وَذَلِكَ سَائِغٌ [4] فِي كَلَامِ العرب، أنهم يعربون صلة ما ومن بِإِعْرَابِهِمَا لِأَنَّهُمَا يَكُونَانِ مَعْرِفَةً تَارَةً، وَنَكِرَةً أُخْرَى، كَمَا قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
وَكَفَى [5] بِنَا فَضْلا عَلَى مَنْ غَيْرِنَا ... حُب [6] النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ إيَّانَا (7)
قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ {بَعُوضَةً} مَنْصُوبَةً بِحَذْفِ الْجَارِّ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَيْنَ بَعُوضَةٍ إِلَى مَا فَوْقَهَا.
[وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ. وَقَرَأَ الضَّحَّاكُ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَرُوِيَتْ "بَعُوضَةٌ" بِالرَّفْعِ، قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: وَتَكُونُ صلة لما وَحُذِفَ الْعَائِدُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} [الْأَنْعَامِ: 154] أَيْ: عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ هُوَ أَحْسَنُ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: مَا أَنَا بِالَّذِي قَائِلٌ لَكَ شَيْئًا، أَيْ: يَعْنِي بِالَّذِي هُوَ قَائِلٌ لَكَ شَيْئًا] [8] .
وَقَوْلُهُ: {فَمَا فَوْقَهَا} فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: فَمَا دُونَهَا فِي الصِّغَرِ، وَالْحَقَارَةِ، كَمَا إِذَا وُصِفَ رَجُلٌ بِاللُّؤْمِ وَالشُّحِّ، فَيَقُولُ السَّامِعُ [9] : نَعَمْ، وَهُوَ فَوْقَ ذَلِكَ، يَعْنِي فِيمَا وَصَفْتَ. وَهَذَا قَوْلُ الْكِسَائِيِّ وَأَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ الرَّازِيُّ: وَأَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ، وَفِي الْحَدِيثِ: "لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ" [10] . وَالثَّانِي: فَمَا فَوْقَهَا: فَمَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَحْقَرُ وَلَا أَصْغَرُ مِنَ الْبَعُوضَةِ. وَهَذَا [قَوْلُ قَتَادَةَ بْنِ دِعَامَةَ وَ] [11] اخْتِيَارُ ابْنُ جرير.

[1] في أ: "هذا".
[2] في جـ، ط، ب، أ، و: "للتقليل زائدة".
[3] زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[4] في جـ، أ، و: "شائع".
[5] في جـ، ب، أ، و: "يكفي".
[6] في جـ: "حث".
(7) البيت في تفسير الطبري (1/404) .
[8] زيادة من جـ، ط، ب.
[9] في جـ: "القابل".
[10] رواه الترمذي في السنن برقم (2320) من طريق عبد الحميد بن سليمان عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه به مرفوعا، وفيه عبد الحميد بن سليمان ضعيف.
[11] زيادة من جـ، ط.
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 1  صفحه : 207
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست