responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 1  صفحه : 247
عِنْدَكُمْ مِنَ النُّبُوَّةِ والعَهْد مِنَ التَّوْرَاةِ، وَتَتْرُكُونَ أَنْفُسَكُمْ، أَيْ: وَأَنْتُمْ [1] تَكْفُرُونَ بِمَا فِيهَا مِنْ عَهْدي إِلَيْكُمْ فِي تَصْدِيقِ رَسُولِي، وَتَنْقُضُونَ مِيثَاقِي، وَتَجْحَدُونَ مَا تَعْلَمُونَ [2] مِنْ كِتَابِي.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، يَقُولُ: أَتَأْمَرُونَ النَّاسَ بِالدُّخُولِ فِي دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أُمِرْتُمْ [3] بِهِ مِنْ إِقَامِ الصَّلَاةِ، وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا مُسلم الجَرْمي، حَدَّثَنَا مَخْلَد بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ أَبِي قِلابة فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ} قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: لَا يَفْقَهُ الرَّجُلُ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى يمقُت النَّاسَ فِي ذَاتِ اللَّهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى نَفْسِهِ فَيَكُونُ لَهَا أَشَدَّ مَقْتًا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ إِذَا جَاءَ الرَّجُلُ يَسْأَلُهُمْ عَنِ الشَّيْءِ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ ولا رشوة ولا شيء أمروه بالحق، فقال الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ}
وَالْغَرَضُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّهُمْ عَلَى هَذَا الصَّنِيعِ وَنَبَّهَهُمْ عَلَى خَطَئِهِمْ [4] فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمْ، حَيْثُ كَانُوا يَأْمُرُونَ بِالْخَيْرِ وَلَا يَفْعَلُونَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ ذَمُّهُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ بِالْبِرِّ مَعَ تَرْكِهِمْ لَهُ، بَلْ عَلَى تَرْكِهِمْ لَهُ، فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ [مَعْرُوفٌ] [5] وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْعَالِمِ، وَلَكِنَّ [الْوَاجِبَ وَ] [6] الْأَوْلَى بِالْعَالِمِ أَنْ يَفْعَلَهُ مَعَ أَمْرِهِمْ بِهِ، وَلَا يَتَخَلَّفَ عَنْهُمْ، كَمَا قَالَ شُعَيْبٌ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هُودٍ: 88] . فَكُلٌّ مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَفِعْلِهِ وَاجِبٌ، لَا يَسْقُطُ أَحَدُهُمَا بِتَرْكِ الْآخَرِ عَلَى أَصَحِّ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ مُرْتَكِبَ الْمَعَاصِي لَا يَنْهَى غَيْرَهُ عَنْهَا، وَهَذَا ضَعِيفٌ، وَأَضْعَفُ مِنْهُ تَمَسُّكُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ؛ فَإِنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعَالِمَ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِنِ ارْتَكَبَهُ، [قَالَ مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ لَهُ: لَوْ كَانَ الْمَرْءُ لَا يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى لَا يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ مَا أَمَرَ أَحَدٌ بِمَعْرُوفٍ وَلَا نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: وَصَدَقَ مَنْ ذَا الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ؟ قُلْتُ] [7] وَلَكِنَّهُ -وَالْحَالَةُ هَذِهِ-مَذْمُومٌ عَلَى تَرْكِ [8] الطَّاعَةِ وَفِعْلِهِ الْمَعْصِيَةَ، لِعِلْمِهِ بِهَا وَمُخَالَفَتِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مَنْ يَعْلَمُ كَمَنْ لَا يَعْلَمُ؛ وَلِهَذَا جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ فِي الْوَعِيدِ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى الدِّمَشْقِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَعْمَرِيُّ، قَالَا حَدَّثَنَا هشام بن عمار، حدثنا علي

[1] في جـ: "أي أنتم".
[2] في جـ: "بما تعملون".
[3] في جـ: "مما أمرتكم".
[4] في جـ: "خطاياهم".
[5] زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[6] زيادة من جـ، ط، أ.
[7] زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[8] في جـ، ب: "على تركه".
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 1  صفحه : 247
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست