responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 1  صفحه : 389
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ} هَذَا خَبَرٌ مَعْنَاهُ الطَّلَبُ، أَيْ لَا تُمَكِّنوا هَؤُلَاءِ -إِذَا قَدَرُتم عَلَيْهِمْ-مِنْ دُخُولِهَا إِلَّا تَحْتَ الْهُدْنَةِ وَالْجِزْيَةِ. وَلِهَذَا لَمَّا فَتَحَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ أَمَرَ مِنَ الْعَامِ الْقَابِلِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ أَنْ يُنَادَى بِرِحَابِ مِنًى: "أَلَّا لَا يَحُجَّن [1] بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُريان، وَمَنْ كَانَ لَهُ أَجْلٌ فَأَجَلُهُ إِلَى مُدَّتِهِ". وَهَذَا كَانَ تَصْدِيقًا وَعَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} الْآيَةَ [التَّوْبَةِ: 28] ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ إِلَّا خَائِفِينَ عَلَى حَالِ التَّهَيُّبِ، وَارْتِعَادِ الْفَرَائِصِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَبْطِشُوا بِهِمْ، فَضْلًا أَنْ يَسْتَوْلُوا عَلَيْهَا وَيَمْنَعُوا [2] الْمُؤْمِنِينَ مِنْهَا. وَالْمَعْنَى: مَا كَانَ الْحَقُّ وَالْوَاجِبُ إِلَّا ذَلِكَ، لَوْلَا ظُلْمُ الْكَفَرَةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا بِشَارَةٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ سيُظْهرهم عَلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَعَلَى سَائِرِ الْمَسَاجِدِ، وَأَنَّهُ يُذِلُّ الْمُشْرِكِينَ لَهُمْ حَتَّى لَا يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا خَائِفًا، يَخَافُ أَنْ يُؤْخَذَ فَيُعَاقَبَ أَوْ يُقْتَلَ إِنْ لَمْ يُسْلِمْ. وَقَدْ أَنْجَزَ اللَّهُ هَذَا الْوَعْدَ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَنْعِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَأَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَبْقَى بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ، وَأَنْ تُجْلَى الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْهَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَمَا ذَاكَ إِلَّا تَشْرِيفُ أَكْنَافِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَتَطْهِيرُ الْبُقْعَةِ [الْمُبَارَكَةِ] [3] التِي بَعَثَ [اللَّهُ] [4] فِيهَا رَسُولَهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً بَشِيرًا وَنَذِيرًا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ [5] . وَهَذَا هُوَ الْخِزْيُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ. فَكَمَا صَدُّوا الْمُؤْمِنِينَ [6] عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، صُدوا عَنْهُ، وَكَمَا أَجْلَوْهُمْ مِنْ مَكَّةَ أُجْلُوا مِنْهَا {وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} عَلَى مَا انْتَهَكُوا مِنْ حُرْمَةِ الْبَيْتِ، وَامْتَهَنُوهُ مِنْ نَصْبِ الْأَصْنَامِ حَوْلَهُ، وَالدُّعَاءِ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ عِنْدَهُ وَالطَّوَافِ بِهِ عُرْيًا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَفَاعِيلِهِمُ التِي يَكْرَهُهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
وَأَمَّا مَنْ فَسَّر بَيْتَ [7] الْمَقْدِسِ، فَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: إِنَّ النَّصَارَى لَمَّا ظَهَرُوا عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَّبُوهُ [8] فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ} الْآيَةَ، فَلَيْسَ فِي الْأَرْضِ نَصْرَانِيٌّ يَدْخُلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ إِلَّا خَائِفًا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: فَلَيْسَ فِي الْأَرْضِ رُومِيٌّ يَدْخُلُهُ الْيَوْمَ إِلَّا وَهُوَ خَائِفٌ أَنْ يُضْرَب [9] عُنُقُه، أَوْ قَدْ أُخِيفَ بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ فَهُوَ يؤديها.

[1] في ب، و: "ألا لا يحج"، وفي أ: "أن لا يحج".
[2] في جـ، ط، ب: "ويمنعوا".
[3] زيادة من جـ.
[4] زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[5] في جـ، ب، و: "صلوات الله وسلامه عليه".
[6] في أ: "المسلمين".
[7] في ط، ب: "ببيت".
[8] في أ: حرقوه".
[9] في جـ، ط، ب: "أن تضرب".
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 1  صفحه : 389
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست