responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 1  صفحه : 478
الدَّارِ الدُّنْيَا حَتَّى نَتَبَرَّأ مِنْ هَؤُلَاءِ وَمِنْ عِبَادَتِهِمْ، فَلَا نَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ، بَلْ نُوَحِّدُ اللَّهَ وَحْدَهُ بِالْعِبَادَةِ. وَهُمْ كَاذِبُونَ فِي هَذَا، بَلْ لَوْ رُدّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ. كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بِذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} أَيْ: تَذْهَبُ وَتَضْمَحِلُّ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الْفُرْقَانِ: 23] .
وَقَالَ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} الْآيَةَ [إِبْرَاهِيمَ: 18] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} الْآيَةَ [النُّورِ: 39] ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169) }
لَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَأَنَّهُ الْمُسْتَقِلُّ بِالْخَلْقِ، شَرَعَ يُبَيِّنُ أَنَّهُ الرَّزَّاقُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ، فَذَكَرَ [ذَلِكَ] [1] فِي مَقَامِ الِامْتِنَانِ أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ فِي حَالِ كَوْنِهِ حَلَالًا مِنَ اللَّهِ طَيِّبًا، أَيْ: مُسْتَطَابًا فِي نَفْسِهِ غَيْرَ ضَارٍّ لِلْأَبْدَانِ وَلَا لِلْعُقُولِ، وَنَهَاهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ، وَهِيَ: طَرَائِقُهُ وَمَسَالِكُهُ فِيمَا أَضَلَّ أَتْبَاعَهُ فِيهِ مِنْ تَحْرِيمِ البَحَائر وَالسَّوَائِبِ وَالْوَصَائِلِ وَنَحْوِهَا مِمَّا زَينه لَهُمْ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ، كَمَا فِي حَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حمَار الذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ كُلَّ مَا أمنحُه [2] عِبَادِي فَهُوَ لَهُمْ حَلَالٌ" وَفِيهِ: "وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفاء فَجَاءَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وحَرَّمتْ عَلَيْهِمْ مَا أحللتُ لَهُمْ" [3] .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُويه: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ شَيْبَةَ [4] الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الِاحْتِيَاطِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُوزَجَانِيُّ [5] -رَفِيقُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ -حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيج، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تُليت هَذِهِ الْآيَةُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا طَيِّبًا} فَقَامَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، فَقَالَ. "يَا سَعْدُ، أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، وَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ الرَّجُلَ ليَقْذفُ اللُّقْمَةَ الْحَرَامَ فِي جَوْفه مَا يُتَقبَّل مِنْهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْت وَالرِّبَا فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ" [6] .
وَقَوْلُهُ: {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} تَنْفِيرٌ عَنْهُ وَتَحْذِيرٌ مِنْهُ، كَمَا قَالَ: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فَاطِرٍ: [6]] وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا} [الْكَهْفِ: 50] .

[1] زيادة من أ.
[2] في جـ، ط، أ، و: "كل مال منحته".
[3] صحيح مسلم برقم (2865) .
[4] في جـ: "شعبة" وفي هـ: "شبة".
[5] في جـ: "الجرجاني".
[6] المعجم الأوسط للطبراني برقم (5026) "مجمع البحرين".
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 1  صفحه : 478
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست