responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 1  صفحه : 520
الِاعْتِكَافِ فِي الصِّيَامِ، أَوْ فِي آخِرِ [1] شَهْرِ الصِّيَامِ، كَمَا ثَبَتَتِ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ يَعْتَكِفُ العشرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ. ثُمَّ اعْتَكَفَ أزواجُه مِنْ بَعْدِهِ. أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا [2] ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ صَفيَّة بِنْتَ حُيي كَانَتْ [3] تَزُورُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُعْتَكَفٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ لِتَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلَهَا -وَكَانَ ذَلِكَ لَيْلًا -فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَمْشِيَ مَعَهَا حَتَّى تَبْلُغَ دَارَهَا، وَكَانَ مَنْزِلُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فِي جَانِبِ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ لَقِيَهُ رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا -وَفِي رِوَايَةٍ: تَوَارَيَا-أَيْ حَيَاءً مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِ أَهْلِهِ مَعَهُ [4] ، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَلَى رِسْلكما إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ" أَيْ: لَا تُسْرِعَا، وَاعْلَمَا أَنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، أَيْ: زَوْجَتِي. فَقَالَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا" أَوْ قَالَ: "شَرًّا" [5] .
قَالَ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَرَادَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أنْ يُعَلِّمَ أُمَّتَهُ التَّبَرِّيَ مِنَ التُّهْمَة فِي مَحَلَهَا، لِئَلَّا يَقَعَا فِي مَحْذُورٍ، وَهُمَا كَانَا أَتْقَى لِلَّهِ أَنْ يَظُنَّا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْمُبَاشِرَةِ: إِنَّمَا هُوَ الْجِمَاعُ وَدَوَاعِيهِ مِنْ تَقْبِيلٍ، وَمُعَانَقَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَأَمَّا مُعَاطَاةُ الشَّيْءِ وَنَحْوَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْني إِلِيَّ رَأْسَهُ فأرجِّلُه وَأَنَا حَائِضٌ، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَقَدْ كَانَ المريضُ يَكُونُ فِي الْبَيْتِ فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ إِلَّا وَأَنَا مَارَّةٌ [6] .
وَقَوْلُهُ: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} أَيْ: هَذَا الذِي بَيَّنَّاهُ، وَفَرَضْنَاهُ، وَحَدَّدْنَاهُ مِنَ الصِّيَامِ، وَأَحْكَامِهِ، وَمَا أَبَحْنَا فِيهِ وَمَا حَرَّمْنَا، وذِكْر [7] غَايَاتِهِ وَرُخَصِهِ وَعَزَائِمِهِ، حُدُودُ اللَّهِ، أَيْ: شَرَعَهَا اللَّهُ وبيَّنها بِنَفْسِهِ {فَلا تَقْرَبُوهَا} أَيْ: لَا تُجَاوِزُوهَا، وَتَعْتَدُوهَا [8] .
وَكَانَ الضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ يَقُولَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} أَيِ: الْمُبَاشَرَةُ فِي الِاعْتِكَافِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: يَعْنِي هَذِهِ الْحُدُودَ الْأَرْبَعَةَ، وَيَقْرَأُ [9] {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} حَتَّى بَلَغَ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} قَالَ: وَكَانَ أَبِي وَغَيْرُهُ مِنْ مَشْيَختنا [10] يَقُولُونَ هَذَا وَيَتْلُونَهُ عَلَيْنَا.
{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ} أَيْ: كَمَا بَيَّنَ الصِّيَامَ وَأَحْكَامَهُ وَشَرَائِعَهُ وَتَفَاصِيلَهُ، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ سَائِرَ الْأَحْكَامِ عَلَى لِسَانِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} أَيْ: يَعْرفون كَيْفَ يَهْتَدُونَ، وَكَيْفَ يُطِيعُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُنزلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} ] [11] . [الحديد: [9]] .

[1] في أ، و: "أو في أواخر".
[2] صحيح البخاري برقم (2033) وصحيح مسلم برقم (1172) واللفظ لمسلم.
[3] في جـ، أ: "جاءت".
[4] في جـ: "معه أهله".
[5] صحيح البخاري برقم (2035، 6219) وصحيح مسلم برقم (2175) من حديث صفية رضي الله عنها.
[6] صحيح البخاري برقم (2029) وصحيح مسلم برقم (297) .
[7] في جـ: "وذكرنا".
[8] في جـ: "تتجاوزوها أو تعتدوها".
[9] في جـ: "ويقول".
[10] في أ: "من مشايخنا".
[11] زيادة من و، وفي جـ، ط، أ، هـ: "الآية".
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 1  صفحه : 520
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست