فلما آمن السحرة بربّ العالمين ربّ موسى وهارون، ورأى من الآيات ما رأى سمح بخروج بنى إسرائيل بل طردهم طردا وفي سفر الخروج أنهم خرجوا في شهر أبيب بعد أن أقاموا بمصر ثلاثين وأربعمائة سنة من عهد يوسف عليه السلام، ثم أتبعهم فرعون وجنوده فغشيهم من اليمّ ما غشيهم وأنجى الله بنى إسرائيل وأغرق فرعون ومن معه.
وقد كان فرق البحر من معجزات موسى عليه السلام كمعجزات سائر الأنبياء التي يظهرها الله تعالى على أيديهم لترشد الناس إلى أن السنن والنواميس الكونية لا تحكم على واضعها ومدبرها، بل هو الحاكم المتصرف فيها، وهى أيضا سنة أخرى فى الكون يخلقها الله متى شاء على يد من يصطفيه من عباده.
وزعم بعض الناس أن عبور بنى إسرائيل البحر كان وقت الجزر، وفي بحر القلزم (البحر الأحمر) رقارق يتيسر للإنسان أن يعبر بها البحر إذا كان الجزر شديدا، وكانوا لاستعحالهم واتصال بعضهم ببعض، قد جعلوا الماء الرقارق فرقين عظيمين ممتدين كالطود العظيم، يرشد إلى ذلك قوله: (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) ولم يقل فرقنا لكم البحر.
وقوله: (فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) تشبيه معروف معهود مثله فى مقام المبالغة كقوله: (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ) وقوله: (وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) ألا ترى أن الأمواج والسفن الجواري لا تكون كشواهق الجبال، لكنه يراد بمثل هذا التعبير زيادة البيان، وإرادة التأثير فى نفس السامع.
ولما أتبعهم فرعون وجنوده ورآهم قد عبروا البحر مشى إثرهم، وكان المد قد بدأ، ولم يتم خروج بنى إسرائيل إلا وقد علا المدّ، وطغى حتى أغرق المصريين جميعا، وتحققت نعمة الله على بنى إسرائيل، وتمّ لهم التوفيق ولعدوهم الخذلان، ونعم الله