والنقم إنما هو لمعنى فيها يسوغ أن يخاطب اللاحق منها بما كان للسابق كأنه وقع منه، ليعلم الناس أن الأمم متكافلة، سعادة الفرد منها مرتبطة بسعادة سائر الأفراد، وشقاؤه بشقائهم، ويتوقع نزول العقوبة به إذا فشت الذنوب في الأمة وإن لم يفعلها هو كما قال:
(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) .
وفي هذا التكافل رقىّ الأمة وتقدمها في المدنية والحضارة، إذ يحملها على التعاون البأساء والضراء فتحوز قصب السبق بين الأمم.
(وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ) ذاك أنهم حين خرجوا من مصر وجاوزوا البحر، وقعوا فى صحراء فأصابهم حر شديد، فشكوا إلى موسى فأرسل الله إليهم الغمام يظللهم حتى دخلوا أرض الميعاد.
(وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) ما منحه الله لعباده يسمى إيجاده إنزالا كما جاء فى قوله: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) وقد قالوا إن المنّ كان ينزل عليهم نزول الضباب من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وتأتيهم السّمانى فيأخذ كل واحد منهم ما يكفيه إلى الغد.
(كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) أي وقلنا لهم كلوا من ذلك الرزق الطيب، وفي سفر الخروج- أنهم أكلوا المنّ أربعين سنة وأن طعمه كالرّقاق بالعسل، وكان لهم بدل الخبز إذ كانوا محرومين من البقول والخضر.
(وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) أي فكفروا تلك النعم الجزيلة، وما عاد ضرر ذلك إلا عليهم باستيجابهم عذابى وانقطاع ذلك الرزق الذي كان ينزل عليهم بلا مئونة ولا مشقة.
وفي هذا إيماء إلى أن كل ما يطلبه الله من عباده فإنما نفعه لهم، وما ينهاهم عنه فإنما ذلك لدفع ضرّ يقع عليهم،
وقد جاء في الحديث القدسي: «فكل عمل ابن آدم له