ووحدانية الله وعظيم قدرته لم تزدهم إلا انهماكا في الشرك وتوغلا في ضروب الوثنية فالنعم التي أسبغها عليهم لم يكن لها من شكر إلا اتخاذ العجل إلها يعبدونه من دون الله، فكيف يعتذرون عن عدم الإيمان بمحمد بأنهم لا يؤمنون إلا بما أنزل إليهم؟.
وهذا دليل على قسوة قلوبهم وفساد عقولهم، فلا أمل فيهم لهداية، ولا مطمع لفكر وتأمل بعد أن اختلّ الوجدان، وضعف الجنان. وهذه الآيات البينات التي ذكرت هنا كانت في مصر قبل الميعاد الذي نزلت فيه التوراة، وما ذكر من النعم هناك كان فى أرض الميعاد.
الإيضاح
(وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ، ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) أي ومن عظيم كفرانكم للنعم أن موسى قد جاء بالأدلة القاطعة والبراهين الناصعة على توحيد الله وعظيم قدرته، فخالفتم ذلك وعصيتم أمره وعبدتم عجل السامري من بعد ذلك، فهذا ظلم ووضع للشىء في غير موضعه اللائق به، وأىّ ظلم أعظم من الإشراك بالله بعبادة من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرّا؟.
(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا) قد سبق شرح مثل هذا من قبل سوى أنه قال هناك: (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) وهنا قال: (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا) فأمرهم هناك بالحفظ، وأمرهم هنا بالفهم والطاعة، والعبارتان متقاربتان في المراد.
(قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا) أي إنهم قبلوا الميثاق وفهموه، لكنهم لم يعملوا به وخالفوه، وليس المراد أنهم نطقوا بقولهم (سَمِعْنا وَعَصَيْنا) بل كانوا بمثابة من قال ذلك، والعرب تعبّر عن حال الإنسان وغيره من الحيوان والجماد بقول تحكيه عنه يومئ إلى ما يجول فى قرارة نفسه ويدور يخلده فيكون هذا القول ترجمانا عنه.