(وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) أي ولقد اجتبيناه من بين خلقنا، وجعلنا في ذريته أئمة يهدون بأمرنا، وجعلناه في الآخرة من المشهود لهم بالخير والصلاح وإرشاد الناس للعمل بهذه الملة.
ولا شكّ أن ملة هذا شأنها، وبها كانت له المكانة عند ربه، لا يرغب عنها إلا سفيه يعرض عن التأمل في ملكوت السموات والأرض، ورؤية الآثار الكونية والنفسية الدالة على وحدانية الله تعالى وعظيم قدرته.
وفي الآية بشارة لإبراهيم بصلاح حاله في الآخرة وعدة له بذلك.
(إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ) أي اصطفاه إذ دعاه إلى الإسلام بما أراه من الآيات ونصب له من الأدلة على وحدانيته، فلبّى الدعوة.
(قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) أي قال أخلصت دينى لله الذي فطر الخلق جميعا، ونحو هذا قوله: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) .
وقد نشأ إبراهيم في قوم عبدة أصنام وكواكب، فأنار الله بصيرته، وألهمه الحق والصواب، فأدرك أن للعالم ربّا واحدا يدبره ويتصرف في شئونه وإليه مصيره، وحاجّ قومه في ذلك وبهرهم بحجته فقال: (أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ) إلى آخر الآيات التي جاءت في سورة الأنعام.
(وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ) أي ووصّى بهذه الملة التي ذكرت في قوله: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ) إبراهيم أولاده ووصّى بها يعقوب من بعده أولاده أيضا، قائلين لهم: إن الله اصطفى لكم دين الإسلام الذي لا يتقبل الله سواه.
(فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) أي فحافظوا على الإسلام لله ولا تفارقوه برهة واحدة، فربما تأتيكم مناياكم وأنتم على غير الدين الذي اصطفاه لكم ربكم.