الإيمان إلا باطمئنان القلب وقيام البرهان الذي لا يقبل الشك والارتياب، وأفضل البراهين ما أرشد إليه القرآن من النظر في آيات الله في الآفاق والأنفس، فقد يبلغ الإنسان علم اليقين بنظرة صادقة في هذا الكون الذي بين يديه، أو في نفسه إذا تجلت له بغرائب خلقها وبدائع صنعها.
(وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) العمل الصالح معروف عند الناس، فقد أودع في فطرتهم ما يميزون به بين الخير والشر، ولكن بعضهم يضلّ بما يطرأ على نفسه من زيغ يحيد به عن الهدى، ويتبعه آخرون في ضلاله فتتولد التقاليد الضارة، وتكون هى ميزان الخير والصلاح لدى الضالين، وإن كانت مخالفة لأصل الفطرة كما
ورد في الحديث: «كلّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه» .
وقد بين الكتاب الأعمال الصالحة في آي كثيرة كقوله: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ، إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ، أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ) .
(أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) قال الفرّاء: الجنة البستان فيه النخيل، والفردوس البستان فيه الكرم، والمراد بها هنا دار الخلود في الحياة الآخرة أعدها الله للمتقين كما أعدّ النار للكافرين، ونحن نؤمن بهما ولا نبحث عن حقيقتهما. والأنهار واحدها نهر (بفتح الهاء وسكونها) وهو المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر كنيل مصر، وجرى الأنهار من تحتها هو كما نشاهد في الأشجار التي على شواطئ الأنهار الجارية.