responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 156
الْآتِي، وَلَكِنَّهُ رَمْيٌ لِلْكَلَامِ بِدُونِ بَيَانٍ، وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ " لَعَلَّ " لِلتَّرَجِّي وَلَكِنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِلْإِعْدَادِ وَالتَّهْيِئَةِ لِلشَّيْءِ وَفِي هَذَا مَعْنَى التَّرَجِّي، فَحَيْثُ وَقَعَتْ " لَعَلَّ " فِي الْقُرْآنِ فَالْمُرَادُ بِهَا هَذَا الْمَعْنَى الْأَخِيرُ كَمَا فَسَّرْنَاهُمَا بِهِ آنِفًا، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ التَّحْقِيقَ (لِأَنَّ الْإِعْدَادَ بِمَا تَأْتِي " لَعَلَّ " بَعْدَهُ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ لَا رِيبَةَ فِيهِ) فَإِنَّ الْعِبَادَةَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَرْشَدَتْ إِلَيْهِ الْآيَةُ مِنْ مُلَاحَظَةِ مَعْنَى الرُّبُوبِيَّةِ إِلَخْ مَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ، تَطْبَعُ فِي النَّفْسِ مَلَكَةَ خَشْيَةِ اللهِ وَتَعْظِيمَهُ وَمُرَاقَبَتَهُ، وَتُعْلِي هِمَّةَ الْعَابِدِ وَتُقَوِّي عَزِيمَتَهُ وَإِرَادَتَهُ، فَتَزْكُو نَفْسُهُ وَتَنْفِرُ مِنَ الْمَعَاصِي وَالرَّذَائِلِ، وَتَأْلَفُ الطَّاعَاتِ وَالْفَضَائِلَ، وَهَذِهِ هِيَ التَّقْوَى. وَإِذَا قُلْنَا: إِنَّ الرَّجَاءَ مُتَعَلِّقٌ بِالنَّاسِ فَالْإِعْدَادُ فِيهِ ظَاهِرٌ وَمُتَحَقِّقٌ، إِذْ لَوْ لَمْ يَخْلُقْهُمْ مُسْتَعِدِّينَ لِلتَّقْوَى لَمَا اتَّقَاهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ.
وَمَعْنَى التَّرَجِّي فِي أَصْلِ اللُّغَةِ: تَوَقُّعُ حُصُولِ الشَّيْءِ الْقَرِيبِ بِحُصُولِ سَبَبِهِ وَالِاسْتِعْدَادِ لَهُ، سَوَاءٌ كَانَ الِاسْتِعْدَادُ كَسْبِيًّا أَوْ طَبِيعِيًّا فَاسْتَعْمَلْنَا " لَعَلَّ " الْمُعَبِّرَةَ عَنِ التَّوَقُّعِ فِي سَبَبِهِ وَهُوَ الِاسْتِعْدَادُ أَوِ الْإِعْدَادُ الَّذِي هُوَ جَعْلُ الْمَرْءِ مُسْتَعِدًّا،
وَالتَّعْبِيرُ عَنِ الْمُسَبَّبِ بِلَفْظِ السَّبَبِ شَائِعٌ فِي اسْتِعْمَالِ اللُّغَةِ، وَقَدْ عَدُّوا التَّرَجِّيَ وَالتَّمَنِّيَ مِنَ الْأَخْبَارِ وَصِيَغُهُمَا صِيَغُ إِنْشَاءٍ فَقَطْ.
وَأَقُولُ: إِنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْإِعْدَادِ صَحِيحٌ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ التَّرَجِّيَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الشَّيْءِ مَأْمُولًا بِمَا يُذْكَرُ مِنْ سَبَبِهِ غَيْرَ مَقْطُوعٍ بِهِ لِذَاتِهِ بَلْ يَتْبَعُ قُوَّةَ أَسْبَابِهِ مَعَ انْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ وَيَتَعَلَّقُ تَارَةً بِالْمُتَكَلِّمِ، وَتَارَةً بِالْمُخَاطَبِ، وَتَارَةً بِالْمُتَكَلَّمِ عَنْهُ، وَتَارَةً بِغَيْرِهِمَا، فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى: (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) (65: 1) وَقَوْلَهُ حِكَايَةً عَنْ قَوْمِ مُوسَى: (لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ) (26: 40) وَقَوْلَهُ: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ) (40: 36) إِلَخْ. وَقَوْلَهُ لِمُوسَى وَهَارُونَ: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (20: 44) وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ هَذَا مَقْطُوعٌ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ عِنْدَ اللهِ، وَلَكِنَّ الرَّجَاءَ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِمُوسَى وَهَارُونَ أَيْ (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا) رَاجِينَ بِهِ أَنْ يَتَذَكَّرَ أَوْ يَخْشَى لَا قَوْلًا غَلِيظًا مُنَفِّرًا. وَتَأْتِي " لَعَلَّ " لِلْإِشْفَاقِ وَإِفَادَةِ التَّحْذِيرِ مِنْ أَمْرٍ وَقَعَتْ أَسْبَابُهُ فَكَانَ بِهَا مَظِنَّةُ الْوُقُوعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ) (18: 6) الْآيَةَ، وَقَوْلَهُ: (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) (11: 12) الْآيَةَ.
لَمَّا ذَكَّرَ اللهُ عِبَادَهُ بِنِعْمَةِ الْإِيجَادِ وَنِعْمَةِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْمَوَاهِبِ الَّتِي تَقْتَضِي التَّقْوَى وَعَدَمَ إِطْرَاءِ السَّلَفِ بِرَفْعِهِمْ إِلَى مَقَامِ الرُّبُوبِيَّةِ كَمَا وَقَعَ مِنَ الَّذِينَ (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ) (9: 31) ذَكَّرَهُمْ ثَانِيًا بِبَعْضِ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ الَّتِي تَقْتَضِي الِاخْتِصَاصَ بِالْعُبُودِيَّةِ، فَقَالَ: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا) بِمَا مَهَّدَهَا وَجَعَلَهَا صَالِحَةً لِلِافْتِرَاشِ وَالْإِقَامَةِ عَلَيْهَا وَالِارْتِفَاقِ بِهَا، أَيْ فَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى جَلَائِلِ الْفِعَالِ، الْعَظِيمُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ وَالْإِجْلَالَ.
الْمُنْعِمُ بِجَمِيعِ النِّعَمِ، الْجَدِيرُ بِأَعْلَى مَرَاتِبِ الشُّكْرِ، جَعَلَ الْأَرْضَ بِقُدْرَتِهِ فِرَاشًا لِأَجْلِ مَنْفَعَتِكُمْ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 156
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست