responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 173
وَبِضِعْفِ الْبَيَانِ، أَوْ بِمَا يَطْرَأُ عَلَى صَاحِبِهِ مِنَ الذُّهُولِ وَالنِّسْيَانِ، يُرِيدُ بَيَانَ شَيْءٍ فَيَخُونُهُ قَلَمُهُ وَلِسَانُهُ، وَيُعْوِزُهُ أَنْ يُحِيطَ بِأَطْرَافِهِ، وَأَنْ يُجَلِّيَهُ تَمَامَ التَّجَلِّي لِقَارِئِ كَلَامِهِ أَوْ سَامِعِهِ
ثُمَّ يَقُولُ فِيهِ قَوْلًا آخَرَ عَلَى عِلْمٍ فَتُوَاتِيهِ الْعِبَارَةُ فَيُؤَدِّي الْمُرَادَ، فَيَخْتَلِفُ مَا أَبْدَأَ مَعَ مَا أَعَادَ، أَوْ يَقُولُ الْقَوْلَ ثُمَّ يَنْسَاهُ، فَيَأْتِي بِمَا يُخَالِفُهُ فِي مَعْنَاهُ، أَوْ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَعْلَمُ، فَيَهْرِفُ بِمَا لَا يَعْرِفُ، وَذَلِكَ عَيْبٌ فِي الْكَلَامِ وَضَعْفٌ فِي الْمُتَكَلِّمِ هُوَ مِنْ شَأْنِ الْبَشَرِ.
إِنَّ مَا يَأْخُذُهُ النَّاسُ مِنَ الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْفَلْسَفِيَّةِ بِالتَّسْلِيمِ فِي زَمَانِهِمْ ثُمَّ يَظْهَرُ مَا يُبْطِلُ تِلْكَ الْمُسَلَّمَاتِ، وَيَنْقُصُ مَا بُنِيَتْ عَلَيْهِ مِنَ النَّظَرِيَّاتِ، لَا يُعَدُّ عَيْبًا فِي قَائِلِهِ، وَلَا ضَعْفًا فِي بَيَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعُهُ بَيَانَ تِلْكَ الْمَسَائِلِ نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَسْلَمُ مِنْهُ الْبَشَرُ. وَأَمَّا مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الْمَوْجُودَاتِ لِبَيَانِ الْعِبْرَةِ فِيهَا، أَوِ الْحَثِّ عَلَى الِاسْتِفَادَةِ مِنْهَا، لَا لِبَيَانِ حَقِيقَتِهَا فِي نَفْسِهَا، أَوْ صِفَاتِهَا الْفَنِّيَّةِ عِنْدَ أَهْلِ فَنِّهَا، فَهُوَ لَا يُكَلَّفُ أَنْ يُبَيِّنَ تِلْكَ الْحَقِيقَةَ أَوْ تِلْكَ الصِّفَاتِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِغَرَضِهِ مِنَ الْكَلَامِ بِالِاصْطِلَاحَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْفَنِّيَّةِ، وَقَدْ يُنْتَقَدُ مِنْهُ هَذَا إِذَا كَانَ مِمَّا يَصْرِفُ السَّامِعَ عَنْ مُرَادِهِ مِنْهُ، أَوْ يُوجِبُ نَقْصًا فِي اسْتِفَادَتِهِ مِنْهُ، كَمَا هُوَ شَأْنُ الَّذِينَ يَعِظُونَ دَهْمَاءَ النَّاسِ مِنْ جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ وَيَضْرِبُونَ لَهُمُ الْأَمْثَالَ بِآيَاتِ اللهِ تَعَالَى وَنِعَمِهِ فِيمَا سَخَّرَ لَهُمْ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الْكَلَامِ وَالَّذِي لَا يُعَابُ فِيهِ مُخَالَفَتُهُ لِلْمَسَائِلِ الْفَنِّيَّةِ - وَقَدْ يُعَابُ فِيهِ تَكَلُّفُ مُوَافَقَتِهَا - جَاءَ مَعَ ذَلِكَ إِمَّا مُوَافِقًا وَإِمَّا غَيْرَ مُخَالِفٍ لِمَعَارِفِ أَهْلِ الْعَصْرِ الَّذِي خُوطِبَ أَهْلُهُ بِهِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْمَعَارِفِ كَانَتْ جَهْلًا، وَظَهَرَ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا تَجَدَّدَ مِنَ الْعِلْمِ الْحَقِّ وَالتَّشْرِيعِ الْعَدْلِ أَوْ غَيْرُ مُخَالِفٍ لَهُ، فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ هَذِهِ تُعَدُّ لَهُ مَزِيَّةٌ خَارِقَةٌ لِلْمُعْتَادِ فِي الْبَشَرِ، وَقَدْ ثَبَتَ هَذَا الْقُرْآنُ وَحْدَهُ، فَهُوَ كِتَابٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أُمُورِ الْعَالَمِ الْكَوْنِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ، مَرَّتِ الْعُصُورُ وَتَقَلَّبَتْ أَحْوَالُ الْبَشَرِ فِي الْعُلُومِ وَالْأَعْمَالِ وَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ خَطَأٌ قَطْعِيٌّ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، لِهَذَا صَحَّ أَنْ تُجْعَلَ سَلَامَتُهُ مِنْ هَذَا الْخَطَأِ ضَرْبًا مِنْ ضُرُوبِ إِعْجَازِهِ لِلْبَشَرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا مِمَّا تَحَدَّى لَهُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَجْزَ الْبَشَرُ عَنْ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَظْهَرَ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ، فَادُّخِرَ لِيَكُونَ حُجَّةً عَلَى أَهْلِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الطَّاعِنِينَ فِي الْإِسْلَامِ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ وَدُعَاةِ النَّصْرَانِيَّةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْعُلُومَ وَالْفُنُونَ الْعَصْرِيَّةَ، مِنْ طَبِيعِيَّةٍ وَفَلَكِيَّةٍ وَتَارِيخِيَّةٍ، قَدْ نَقَضَتْ بَعْضَ آيَاتِ الْقُرْآنِ فِي مَوْضُوعِهَا، وَأَنَّ التَّشْرِيعَ الْعَصْرِيَّ أَقْرَبُ إِلَى مَصَالِحِ الْبَشَرِ مِنْ تَشْرِيعِهِ.
قُلْتُ: إِنَّنَا قَدِ اطَّلَعْنَا عَلَى أَقْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ فَأَلْفَيْنَا أَنَّ بَعْضَهَا جَاءَ مِنْ سُوءِ فَهْمِهِمْ
أَوْ فَهْمِ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ، وَمِنْ جُمُودِ الْفُقَهَاءِ الْمُقَلِّدِينَ، وَبَعْضَهَا مِنَ التَّحْرِيفِ وَالتَّضْلِيلِ، وَقَدْ رَدَدْنَا نَحْنُ وَغَيْرُنَا مَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ مِنْهَا. وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِالنَّقْضِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يُمَارِيَ فِيهِ مِرَاءً ظَاهِرًا مَقْبُولًا، وَلَوْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي الْقُرْآنِ لَاضْطَرَبَ الْعَالَمُ لَهُ اضْطِرَابًا عَظِيمًا، كَمَا أَنَّ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 173
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست