responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 182
(الْمَقْصِدُ) قَدِ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْكَلَامِ فِي وَجْهِ دَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى نُبُوَّةِ مَنْ ظَهَرَتْ عَلَى يَدَيْهِ وَرِسَالَتِهِ، أَيْ عَلَى كَوْنِ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ مِنَ الْعَقَائِدِ وَالْفَضَائِلِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَحْيًا مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا دَلَالَةٌ عَقْلِيَّةٌ، وَرَجَّحَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهَا وَضْعِيَّةٌ بِمَعْنَى أَنَّ تَأْيِيدَ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ بَعْدَ التَّحَدِّي بِهَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ((صَدَقَ عَبْدِي فِيمَا يُبَلِّغُ عَنِّي)) . وَمِنَ الْمَعْلُومِ الَّذِي لَا مِرَاءَ فِيهِ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِالرُّسُلِ فِي عَصْرِهِمْ وَبَعْدَ عَصْرِهِمْ مِنَ الْعُقَلَاءِ وَالْأَذْكِيَاءِ وَجَدُوا فِي أَنْفُسِهِمُ اعْتِقَادًا اضْطِرَارِيًّا بِأَنَّ ظُهُورَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُ اللهِ تَعَالَى عَلَى أَيْدِيهِمْ عَقِبَ ادِّعَائِهِمْ مَا ادَّعَوْهُ، وَطَلَبِهِمْ مِنَ اللهِ تَعَالَى أَنْ يُصَدِّقَهُمْ، وَيُعْطِيَهُمْ آيَةً تَدُلُّ عَلَى تَصْدِيقِهِ إِيَّاهُمْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ لِأَجْلِ تَصْدِيقِهِمْ، فَسَمِّ الدَّلَالَةَ عَقْلِيَّةً، أَوْ سَمِّهَا وَضْعِيَّةً، أَوِ اجْمَعْ بَيْنَ التَّسْمِيَتَيْنِ إِنْ شِئْتَ.
وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى كَانَ يُعْطِي كُلَّ رَسُولٍ مِنَ الْآيَاتِ مَا يُنَاسِبُ حَالَ قَوْمِهِ وَأَهْلِ عَصْرِهِ، فَلَمَّا كَانَ قَوْمُ فِرْعَوْنَ أَهْلَ عُلُومٍ رِيَاضِيَّةٍ وَطَبِيعِيَّةٍ وَأُولِي سِحْرٍ وَصِنَاعَةٍ، آتَى رَسُولَهُ مُوسَى آيَاتٍ كَانَ الْعُلَمَاءُ وَالسَّحَرَةُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِأَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللهِ لَا مِنْ كَسْبِ مُوسَى وَلَا مِنْ صِنَاعَتِهِ، وَلَمَّا كَانَ الرُّومَانِيُّونَ أُولِي السُّلْطَانِ فِي قَوْمِ عِيسَى وَالسِّيَادَةِ فِي بِلَادِهِمْ أَهْلَ عِلْمٍ وَاسِعٍ بِالطِّبِّ آتَاهُ مِنَ الْآيَاتِ إِبْرَاءَ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ وَإِحْيَاءَ الْمَيِّتِ، وَلَمَّا كَانَتِ الْعَرَبُ قَدِ ارْتَقَتْ فِي لُغَتِهَا فَصَاحَةً وَبَلَاغَةً إِلَى دَرَجَةٍ لَمْ تَتَّفِقْ لِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ أَذْكِيَاءَهَا قَدْ وَجَّهُوا جَمِيعَ قُوَاهُمُ الْعَقْلِيَّةِ وَالْخَيَالِيَّةِ إِلَى إِتْقَانِهَا، جَعَلَ اللهُ تَعَالَى آيَةَ مُحَمَّدٍ الْكُبْرَى إِلَيْهِمْ كِتَابًا مُعْجِزًا لَهُمْ وَلِسَائِرِ الْخَلْقِ، فِي نَظْمِهِ
وَأُسْلُوبِهِ وَفَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ، فَقَامَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ بِهِ بِأَقْوَى مِمَّا قَامَتْ آيَاتُ مُوسَى وَعِيسَى عَلَى قَوْمِهِمَا، وَفِي هَذَا الْقَوْلِ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي حُجَّةِ الْقُرْآنِ مَا عَلِمْتَ.
وَالْحُقُّ الَّذِي يُقَالُ فِي هَذَا الْمَقَامِ: أَنَّ مَا أَيَّدَ اللهُ تَعَالَى بِهِ رُسُلَهُ مِنَ الْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ كَانَ مُنَاسِبًا لِحَالِ زَمَانِ كُلٍّ مِنْهُمْ وَأَهْلِهِ، وَقَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ شَاهَدَ تِلْكَ الْآيَاتِ فِي عَهْدِهِ ثُمَّ عَلَى مَنْ صَدَّقَ الْمُخْبِرِينَ مِنْ بَعْدِهِ، وَقَدْ عَلِمَ اللهُ تَعَالَى أَنَّ سِلْسِلَةَ النَّقْلِ سَتَنْقَطِعُ، وَأَنَّ ثِقَةَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ بِهِ وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ انْقِطَاعِ سِلْسِلَتِهِ سَتَضْعُفُ، وَأَنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى الرِّسَالَةِ سَتُنْكَرُ، فَجَعَلَ الْآيَةَ الْكُبْرَى عَلَى إِثْبَاتِ رِسَالَةِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ عِلْمِيَّةً دَائِمَةً لَا تَنْقَطِعُ، وَهِيَ هَذَا الْكِتَابُ الْمُعْجِزُ لِلْخَلْقِ بِمَا فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِعْجَازِ السَّبْعَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَبَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا آيَةٌ بَيِّنَةٌ لِمَنْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ، وَكَانَ مُسْتَقِلًّا مُطْلَقًا مَنْ أَسْرِ النَّظَرِيَّاتِ الْمَادِّيَّةِ وَقُيُودِ التَّقْلِيدِ، إِذْ لَا يَتَصَوَّرُ عَاقِلٌ يُؤْمِنُ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَصْدُرَ هَذَا الْكِتَابُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ السَّنِيعِ مِنَ الْمَعَانِي، فِي هَذَا الْأُسْلُوبِ الْبَدِيعِ وَالنَّظْمِ الْمَنِيعِ مِنَ الْمَبَانِي مِنْ رَجُلٍ أُمِّيٍّ وَلَا مُتَعَلِّمٍ أَيْضًا،

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 182
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست