responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 185
دَعْ مُخْتَرَعَاتِ
الْكَهْرَبَاءِ الْعَجِيبَةَ الَّتِي لَا يُوجَدُ شَيْءٌ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ الرُّسُلُ مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ إِلَّا وَفِيهَا نَظِيرٌ لَهُ يُقَرِّبُهُ مِنَ الْحِسِّ، لَا مِنَ الْعَقْلِ وَحْدَهُ، وَهَلِ الْكَهْرَبَاءُ إِلَّا قُوَّةٌ مُسَخَّرَةٌ لِلْمَلَائِكَةِ؟
وَدَعْ مَا يُثْبِتُهُ الْأُلُوفُ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَمِ كُلِّهَا مِنْ تَمَثُّلِ بَعْضِ أَرْوَاحِ الْبَشَرِ لِبَعْضِ النَّاسِ فِي صُوَرٍ كَصُوَرِ الْأَجْسَادِ، وَهُوَ يُوَافِقُ الْمَأْثُورَ عِنْدَنَا عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ فِي صِفَةِ الرُّوحِ، وَوَقَائِعُهُ عِنْدَ الصُّوفِيَّةِ كَثِيرَةٌ، وَمَنْ يُنْكِرُ مَا يُحْكَى مِنْ وُقُوعِ هَذَا لَا يُنْكِرُ إِمْكَانَهُ فِي نَفْسِهِ، وَلَا الرَّجَاءَ فِي ثُبُوتِهِ فِي يَوْمٍ مَا، بِحَيْثُ يُشَاهِدُهُ جَمِيعُ النَّاسِ.
خُلَاصَةُ مَا تَقَدَّمَ: أَنَّ دَلَالَةَ الْقُرْآنِ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا وَجْهَانِ:
(أَحَدُهُمَا) : مَا قِيلَ فِي دَلَالَةِ الْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ لِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ، كَنَاقَةِ صَالِحٍ، وَعَصَا مُوسَى، وَإِحْيَاءِ عِيسَى لِلْمَيِّتِ، وَهُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْهَا أَمْرٌ جَاءَ عَلَى غَيْرِ الْمُعْتَادِ مِنْ مَقْدُورِ الْبَشَرِ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ صَاحِبُهُ عَلَى نَبُّوتِهِ وَرِسَالَتِهِ، فَكَانَ تَصْدِيقًا مِنَ اللهِ تَعَالَى لَهُ، وَتَكْذِيبًا وَخِذْلَانًا مِنْهُ تَعَالَى لِمَنْ كَذَّبَهُ، وَهَذَا الْوَجْهُ مِنَ الدَّلَالَةِ خَارِجٌ عَنْ مَوْضُوعِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ فِيهِ عُلَمَاءُ النَّظَرِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا.
(الْوَجْهُ الثَّانِي) : وَهُوَ يَجْتَمِعُ مَعَ الْأَوَّلِ، مَأْخُوذٌ مِنْ مَعْنَى النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، وَهُوَ أَنَّهَا هِدَايَةٌ عُلْيَا لِلْبَشَرِ، لَا تُغْنِيهِمْ عَنْهَا هِدَايَاتُ الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَلَا هِدَايَةُ الْعَقْلِ، فَإِنَّ هَذِهِ هِدَايَاتٌ شَخْصِيَّةٌ فَرْدِيَّةٌ، وَتِلْكَ هِدَايَةٌ لِنَوْعِ الْإِنْسَانِ فِي جُمْلَتِهِ، وَقَدِ اكْتَفَيْنَا فِي هَذَا الِاسْتِطْرَادِ بِتَمْثِيلِهَا بِطِبِّ الْأَبْدَانِ لِيَفْهَمَهَا كُلُّ قَارِئٍ وَسَامِعٍ، وَإِنَّمَا يَفْهَمُهَا الْفَهْمَ التَّامَّ مِنْ طَرِيقِهِ الْعِلْمِيِّ مَنْ يَقِفُ عَلَى مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ آيَاتِ الْهِدَايَةِ وَكَوْنِهِ أَعْلَى وَأَكْمَلَ مِنْ كُلِّ مَا نُقِلَ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ، عَلَى مَا فِي نَقْلِهِ مِنَ التَّوَاتُرِ الْقَطْعِيِّ، وَمَا فِي نَقْلِهَا مِنَ الضَّعْفِ - وَمِنْ طَرِيقِهِ الْعَمَلِيِّ مَنْ عَرَفَ تَارِيخَ الْإِسْلَامِ، وَمَا كَانَ مِنْ تَأْثِيرِ الْقُرْآنِ فِي هِدَايَةِ الْعَرَبِ ثُمَّ هِدَايَةِ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ، وَعَرَفَ تَأْثِيرَ هِدَايَةِ الْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ فِي أُمَمِهِمْ - عَلَى مَا بَيْنَ النَّقْلَيْنِ مِنَ التَّفَاوُتِ أَيْضًا.
وَلَا يَمْتَرِي أَحَدٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ فِي كَوْنِ الْعِلْمِ الَّذِي مَوْضُوعُهُ هِدَايَةُ الْأُمَمِ وَالشُّعُوبِ، وَنَقْلُهَا مِنْ حَالٍ دُنْيَوِيَّةٍ إِلَى حَالٍ أَعْلَى وَأَكْمَلَ مِنْهَا هُوَ مِنَ الْعُلُومِ الْعَالِيَةِ الَّتِي يَقِلُّ فِي النَّاسِ مَنْ يَحْذِقُهَا، وَيَكُونُ إِمَامًا مُبْرَزًا فِيهَا، وَأَنَّ عَمَلَ مَنْ يَتَدَارَسُونَهُ فِي الْكُتُبِ بِهِ أَعْسَرُ مَسْلَكًا، وَأَوْعَرُ طَرِيقًا، وَأَنَّ فَلَاحَ الْعَامِلِينَ بِهِ الْمُتَمَرِّسِينَ بِوَسَائِلِهِ قَلَّمَا يَتَّفِقُ إِلَّا
لِأَفْرَادٍ أُتِيحَ لَهُمْ مِنَ الْأَسْبَابِ وَنُفُوذِ الْحُكُومَاتِ مَا لَمْ يُتَحْ لِغَيْرِهِمْ، فَمَا بَالُكَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ فِي سَبِيلِ الْهِدَايَةِ الرُّوحِيَّةِ وَالِاسْتِعْدَادِ لِسَعَادَةِ الْآخِرَةِ وَالنَّجَاحِ التَّامِّ مَعًا، عَلَى مَا فِيهِمَا مِنْ عَدَمِ سَبْقِ الِاسْتِعْدَادِ لَهَا بِعِلْمٍ وَلَا عَمَلٍ؟ .
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ مَوْضُوعَ الرِّسَالَةِ: تَعْلِيمٌ وَإِرْشَادٌ إِلَهِيٌّ يَمْلِكُ الْوِجْدَانَ، وَتُذْعِنُ لَهُ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 185
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست