responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 239
الَّتِي شَرَعَهَا لِعِبَادِهِ، كَمَا تَدُلُّ فِي جُمْلَتِهَا عَلَى كَوْنِهَا مِنْ عِنْدِ اللهِ - تَعَالَى - لِاشْتِمَالِهَا عَلَى مَا تَقْدَّمَ بَيَانُهُ مِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِ الْبَشَرِ عَنْ مِثْلِهَا، وَتُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى كُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْخَالِقِ - تَعَالَى - وَقُدْرَتِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَصِفَاتِ كَمَالِهِ مِنْ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَمِنْ نَتَائِجِ الْعُقُولِ وَبَرَاهِينِهَا، أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ السُّنَنِ وَالْعِبَرِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ مُقَابِلُ قَوْلِهِ قَبْلَهُ: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ) . . . إِلَخْ، أَيْ وَأَمَّا الَّذِينَ لَمْ يَتَّبِعُوا هُدَايَ، وَهُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِنَا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا الْمُبَيِّنَةِ لِسَبِيلِ ذَلِكَ الْهُدَى - كَمَا قَالَ قَبْلَ قِصَّةِ آدَمَ: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ) (2: 28) - أَوْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا اعْتِقَادًا، وَكَذَّبُوا بِهَا لِسَانًا، فَجَزَاؤُهُمْ مَا يَأْتِي، وَالتَّكْذِيبُ كُفْرٌ سَوَاءٌ أَكَانَ عَنِ اعْتِقَادٍ بِعَدَمِ صِدْقِ الرَّسُولِ أَمْ مَعَ اعْتِقَادِ صِدْقِهِ وَهُوَ تَكْذِيبُ الْجُحُودِ وَالْعِنَادِ الَّذِي قَالَ اللهُ لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَهْلِهِ: (فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (6: 33) كَمَا أَنَّ الْكُفْرَ الْقَلْبِيَّ قَدْ يُوجَدُ مَعَ تَصْدِيقِ اللِّسَانِ كَمَا هِيَ حَالُ الْمُنَافِقِينَ، وَالْمَعْنَى كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا بِالِاخْتِصَارِ: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
الَّتِي نَجْعَلُهَا دَلَائِلَ الْهِدَايَةِ وَحُجَجَ الْإِرْشَادِ بِأَنْ جَحَدُوا بِهَا وَأَنْكَرُوهَا، وَلَمْ يُذْعِنُوا لِصِدْقِهَا اتِّبَاعًا لِخُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ، وَعَمَلًا بِوَسْوَسَتِهِ وَذَهَابًا مَعَ إِغْوَائِهِ - (أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْخُلُودِ فِي آخِرِ (الْآيَةِ 25) وَأَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ عَلَى الْحَصْرِ أَوِ الِاخْتِصَاصِ الْإِضَافِيِّ، أَيْ أُولَئِكَ الْكَافِرُونَ الْمُكَذِّبُونَ الْبُعَدَاءُ هُمْ - دُونَ مُتَّبِعِي هُدَايَ - أَصْحَابُ النَّارِ وَأَهْلُهَا هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ لَا يَظْعَنُونَ عَنْهَا، أَيْ هُمْ فِي خَوْفٍ قَاهِرٍ، وَحُزْنٍ مُسَاوِرٍ، وَقَدْ فَسَّرَ (الْجَلَالُ) الْآيَاتِ بِالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ، وَهُوَ يَصِحُّ فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ آيَةٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَى صِدْقِ مَنْ جَاءَ بِهِ، وَسَائِرُ الْكُتُبِ تَحْتَاجُ إِلَى آيَةٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللهِ - تَعَالَى.
(قَالَ الْأُسْتَاذُ) : بَعْدَ تَفْسِيرِ الْكُفْرِ بِالْجُحُودِ، وَالتَّكْذِيبِ بِالْإِنْكَارِ: وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَأْتِي فِي فِرَقٍ مِنَ النَّاسِ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَا تَقْوَى وَلَا إِيمَانَ لَهُ؛ وَهُمُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُمْ أَصْلٌ لِلنَّظَرِ فِيمَا جَاءَهُمْ، فَهَؤُلَاءِ مُنْكِرُونَ وَهُمْ مُكَذِّبُونَ؛ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ يَشْمَلُ عَدَمَ الِاعْتِقَادِ بِصِدْقِ الدَّعْوَى الَّتِي جَاءَ بِهَا الرَّسُولُ وَاعْتِقَادَ كَذِبِهَا، وَالْجُحُودُ قَدْ يَأْتِي مِنَ الْمُعْتَقِدِ، قَالَ - تَعَالَى -: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (27: 14) .
فَهَذَا هُوَ الطَّوْرُ الْأَخِيرُ لِلْإِنْسَانِ بَعْدَ مَا وُكِلَ إِلَى كَسْبِهِ، وَجُعِلَ فَلَاحُهُ وَخُسْرَانُهُ بِعَمَلِهِ؛ فَمِنْ لُطْفِ اللهِ بِهِ أَنْ أَيَّدَهُ بِهِدَايَةِ الدِّينِ بَعْدَ هِدَايَةِ الْحِسِّ وَالْوِجْدَانِ وَالْعَقْلِ، فَبِهَذِهِ الْهِدَايَاتِ يَرْتَقِي بِالتَّدْرِيجِ مَا شَاءَ اللهُ - تَعَالَى.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 239
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست