responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 346
(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
بَيِّنَ اللهُ - تَعَالَى - فِي الْآيَةِ الْأُولَى مِنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ الْمُتَعَصِّبِينَ لِدِينِهِمْ - مِنْ حَيْثُ هُوَ جِنْسِيَّةٌ لَهُمْ تَقُومُ بِهَا مَنَافِعُ جِنْسِهِمْ - لَمْ يَكْتَفُوا بِكُفْرِهِمْ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْكَيْدِ لَهُ وَنَقْضِ مَا عَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ حَسَدًا لَهُ وَلِقَوْمِهِ عَلَى نِعْمَةِ النُّبُوَّةِ، بَلْ هُمْ يَزِيدُونَ عَلَى ذَلِكَ مَا قَصَّهُ - تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيْمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) ، فَهُوَ بَيَانٌ لِمَا يُضْمِرُونَهُ وَمَا تُكِنُّهُ صُدُورُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ الْحَسَدِ عَلَى نِعْمَةِ الْإِسْلَامِ الَّتِي عَرَفُوا أَنَّهَا الْحَقُّ، وَأَنَّ وَرَاءَهَا السَّعَادَةَ فِي الدَّارَيْنِ، وَلَكِنَّهُمْ شَقَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَّبِعُوهُمْ، فَتَمَنَّوْا أَنْ يُحْرَمُوا هَذِهِ النِّعْمَةَ وَيَرْجِعُوا كُفَّارًا كَمَا كَانُوا، وَذَلِكَ شَأْنُ الْحَاسِدِ يَتَمَنَّى أَنْ يُسْلَبَ مَحْسُودُهُ النِّعْمَةَ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ ضَارَّةً بِهِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ تِلْكَ النِّعْمَةَ إِذَا تَمَّتْ وَثَبَتَتْ يَكُونُ مِنْ أَثَرِهَا سِيَادَةُ الْمَحْسُودِ عَلَيْهِ وَإِدْخَالُهُ تَحْتَ سُلْطَانِهِ، كَمَا كَانَ يَتَوَقَّعُ عُلَمَاءُ يَهُودَ فِي عَصْرِ التَّنْزِيلِ؟ وَقَدْ جَاءَ هَذَا التَّنْبِيهُ تَتِمَّةً لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - قَبْلَ آيَاتٍ: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) (2: 105) وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ لَنَا مَا كَانَ مِنْ مُحَاوَلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَحَيُّلِهِمْ عَلَى تَشْكِيكِ الْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ: بِأَنْ يُؤْمِنُوا أَوَّلَ النَّهَارِ وَيَكْفُرُوا آخِرَهُ، لَعَلَّ ضُعَفَاءَ الْإِيْمَانِ يَرْجِعُونَ عَنِ الْإِسْلَامِ اقْتِدَاءً بِهِمْ، كَمَا سَيَأْتِي فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا بَعْدَهَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ لِذَلِكَ بَعْضَ الْأَثَرِ فِي نُفُوسِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ.
وَفَائِدَةُ هَذَا التَّنْبِيهِ أَوِ التَّنْبِيهَاتِ أَنْ يَعْلَمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ مَا يَبْدُو مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَحْيَانًا مِنْ إِلْقَاءِ الشُّبَهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَتَشْكِيكِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ، إِنَّمَا هُوَ مَكْرُ السَّوْءِ، يَبْعَثُ عَلَيْهِ الْحَسَدُ لَا النُّصْحُ الَّذِي يَبْعَثُ عَلَيْهِ الِاعْتِقَادُ. وَقَالَ: (حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) لِيُبَيِّنَ أَنَّ حَسَدَهُمْ لَمْ يَكُنْ عَنْ شُبْهَةٍ دِينِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى حَقٍّ يَعْتَقِدُونَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ خُبْثُ النُّفُوسِ وَفَسَادُ الْأَخْلَاقِ وَالْجُمُودُ عَلَى الْبَاطِلِ، وَإِنْ ظَهَرَ لِصَاحِبِهِ الْحَقُّ؛ وَلِذَلِكَ قَفَّاهُ بِقَوْلِهِ: (مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) أَيْ بِالْآيَاتِ الَّتِي جَاءَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِانْطِبَاقِ مَا يَحْفَظُونَ مِنْ بِشَارَاتِ كُتُبِهِمْ بِنَبِيِّ آخِرِ الزَّمَانِ عَلَيْهِ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 346
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست