responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 368
تُحَدِّثُكَ بِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ أَقْرَبُ إِلَى الْإِيْمَانِ بِمَا جِئْتَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ مَا عِنْدَهُمْ وَيُصَدِّقُ أَنْبِيَاءَهُمْ وَأُصُولَ شَرَائِعِهِمْ مِنْ حَيْثُ يَقْتَلِعُ جُذُورَ دِينِ الْوَثَنِيِّينَ وَيَمْحُوهُ مَحْوًا، فَيَكُونُ الْوَثَنِيُّونَ أَجْدَرَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِمُعَانَدَتِكَ وُمُجَاحَدَتِكَ، فَاعْلَمْ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ أَلْحَقُوا بِدِينِهِمْ مِنَ التَّقَالِيدِ وَالْمُخْتَرَعَاتِ، وَأَلْصَقُوا بِهِ مِنَ الْبِدَعِ وَالْعَادَاتِ مَا غَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ بِغَيْرِ فَهْمٍ، وَجَعَلَهُمْ يَتَعَصَّبُونَ لَهُ بِغَيْرِ عَقْلٍ، فَكَانُوا بِذَلِكَ أَبْعَدَ عَنْ حَقِيقَةِ الْإِيْمَانِ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمُ اتَّخَذُوا الدِّينَ جِنْسِيَّةً فَلَيْسَ لَهُمْ مِنْهُ إِلَّا الْجُمُودُ عَلَى عَادَاتٍ صَارَتْ مُمَيِّزَةً لِلْمُنْتَسِبِينَ إِلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا يَزَالُ فِيهِمْ نَفَرٌ يُرْجَى مِنْهُمْ تَدَبُّرُ الشَّيْءِ وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَهُمُ (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ) وَهُمْ (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ) ، أَيْ يَفْهَمُونَ أَسْرَارَهُ وَيَفْقَهُونَ حِكْمَةَ تَشْرِيعِهِ. وَفَائِدَةَ نَوْطِ التَّكْلِيفِ بِهِ، لَا يَتَقَيَّدُونَ فِي ذَلِكَ بِآرَاءِ مَنْ سَبَقَهُمْ فِيهِ، وَلَا بِتَحْرِيفِهِمْ كَلِمَهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ، (أُولَئِكَ) هُمُ الَّذِينَ يُقَدِّرُونَ مَا جِئْتَ بِهِ مِنَ التَّرَقِّي فِي الدِّينِ، وَإِقَامَةِ قَوَاعِدِهِ عَلَى الْأَسَاسِ الْمَتِينِ، وَ (يُؤْمِنُونَ بِهِ) بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ الْحَقُّ الَّذِي يُزِيلُ مَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْخِلَافِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى طَرِيقِ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ) مِنَ الرُّؤَسَاءِ الْمُعَانِدِينَ وَالْمُقَلِّدِينَ الْجَاهِلِينَ وَهُمُ الْأَكْثَرُونَ، (فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) لِهَذِهِ السَّعَادَةِ، الْمَحْرُومُونَ مِمَّا يَكُونُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْمَجْدِ وَالسِّيَادَةِ، سَوَاءً كَانَ كُفْرُهُمْ بِتَحْرِيفِهِ لَيُوَافِقُ مَذَاهِبَهُمُ التَّقْلِيدِيَّةَ، أَمْ بِإِهْمَالِهِ اكْتِفَاءً بِقَوْلِ عُلَمَائِهِمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ (بِهِ) لِلْهُدَى الَّذِي ذُكِرَ فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ.
(الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ) : عَبَّرَ عَنِ التَّدَبُّرِ وَالْفَهْمِ بِالتِّلَاوَةِ حَقَّ التِّلَاوَةِ لِيُرْشِدَنَا إِلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ التِّلَاوَةِ الَّتِي يَشْتَرِكُ فِيهَا أَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ مَعَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ، وَالتَّعْبِيرُ يُشْعِرُ بِأَنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَكَمَ بِنَفْيِ رِضَاهُمْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفْيًا مُؤَكَّدًا لَا حَظَّ لَهُمْ مِنَ الْكِتَابِ إِلَّا مُجَرَّدَ التِّلَاوَةِ وَتَحْرِيكِ اللِّسَانِ بِالْأَلْفَاظِ، لَا يَعْقِلُونَ عَقَائِدَهُ، وَلَا يَتَدَبَّرُونَ حِكَمَهُ وَمَوَاعِظَهُ، وَلَا يَفْقَهُونَ أَحْكَامَهُ وَشَرَائِعَهُ؛ لِأَنَّهُمُ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ بِتَقْلِيدِ بَعْضِ الرُّؤَسَاءِ وَالِاكْتِفَاءِ بِمَا يَقُولُونَ، فَلَا عَجَبَ إِذَا أَعْرَضُوا عَمَّا جَاءَ بِهِ
النَّبِيُّ وَلَا ضَرَرَ فِي إِعْرَاضِهِمْ.
وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَإِنَّهُمْ لِتَدَبُّرِهِمْ وَفَهْمِهِمْ أَسْرَارَ الدِّينِ، وَعِلْمِهِمْ بِوُجُوبِ مُطَابَقَتِهَا لِمَصَالِحِ الْمُكَلَّفِينَ، يَعْقِلُونَ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَتَّفِقُ مَعَ مَصْلَحَةِ الْبَشَرِ فِي تَرْقِيَةِ أَرْوَاحِهِمْ، وَفِي نِظَامِ مَعَايِشِهِمْ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَإِنَّمَا يُنْتَفَعُ بِإِيْمَانِ أَمْثَالِهِمْ.
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ هَذَا التَّعْبِيرَ أَفَادَ حُكْمًا جَدِيدًا وَإِرْشَادًا عَظِيمًا، وَهُوَ أَنَّ الَّذِي يَتْلُو الْكِتَابَ لِمُجَرَّدِ التِّلَاوَةِ مَثَلُهُ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا، فَلَا حَظَّ لَهُ مِنَ الْإِيْمَانِ بِالْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْهَمُ أَسْرَارَهُ وَلَا يَعْرِفُ هِدَايَةَ اللهِ فِيهِ. وَقِرَاءَةُ الْأَلْفَاظِ لَا تُفِيدُ الْهِدَايَةَ وَإِنْ كَانَ الْقَارِئُ يَفْهَمُ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 368
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست