responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 372
الْحُجَّةُ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْمِهِ، إِذِ الْمِلَّةُ فِي الْأَصْلِ وَاحِدَةٌ وَالنَّسَبُ وَاحِدٌ، وَلَكِنَّهُمْ كَفَرُوا النِّعْمَتَيْنِ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، فَجَاءَ النَّبِيُّ الْمَوْعُودُ بِهِ لِإِصْلَاحِ حَالِهِمْ وَحَالِ غَيْرِهِمْ، وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي هَذَا السِّيَاقِ: (يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ) (2: 146) وَجَرَى شَيْخُنَا فِي الدَّرْسِ عَلَى طَيَّتِهِ فِي التَّنَاسُبِ بَيْنَ هَذَا السِّيَاقِ وَمَا قَبْلَهُ فَقَالَ مَا مِثَالُهُ.
كَانَ الْكَلَامُ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ بِأُسْلُوبٍ وَاحِدٍ فِي سِيَاقٍ وَاحِدٍ، ذَكَرَ حَقِّيَّةَ الْكِتَابِ وَكَوْنَهُ مِنْ نُصُوعِ الْبُرْهَانِ بِحَيْثُ يَدْفَعُ رَيْبَ الْمُرْتَابِينَ أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُ أَوْ يَتَسَامَى إِلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَصْنَافَ النَّاسِ فِي أَمْرِ الْإِيْمَانِ بِهِ وَعَدَمِ الْإِيْمَانِ بِهِ، وَأَطَالَ الْحِجَاجَ وَالْمُنَاظَرَةَ فِي خِطَابِ أَهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُمْ كَانُوا مَوْضِعَ الرَّجَاءِ فِي الْمُبَادَرَةِ إِلَى الْإِيْمَانِ بِالنَّبِيِّ وَمَا جَاءَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وَافَقَهُمْ فِي أَهْلِ الدِّينِ، وَصَدَّقَ أَنْبِيَاءَهُمْ وَكُتُبَهُمْ وَذَكَّرَهُمْ بِمَا نَسُوا، وَعَلَّمَهُمْ مَا جَهِلُوا، وَأَصْلَحَ لَهُمْ مَا حَرَّفُوا وَزَادَهُمْ مَعْرِفَةً بِأَسْرَارِ الدِّينِ وَحِكْمَتِهِ، كَمَا أَنَّهُمْ فِي مَوْضِعِ الشُّبْهَةِ عِنْدَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ بِمَا كَفَرُوا، وَفِي مَوْضِعِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِمَا آمَنُوا، قَالَ - تَعَالَى - فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ: (أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةٌ أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) (26: 197) وَقَدْ جَاءَتْ مُحَاجَّةُ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى طَرِيقَةِ الْإِطْنَابِ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ جُمُودِ الْقَرَائِحِ وَالْبُعْدِ عَنِ الْبَلَاغَةِ، كَمَا حَكَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: (قُلُوبُنَا غُلْفٌ) وَمِنْ فَسَادِ الْأَذْهَانِ بِالتَّعَوُّدِ عَلَى التَّأْوِيلِ وَالتَّحْرِيفِ، فَكَانَ يُبْدَأُ لَهُمُ الْمَعْنَى وَيُعَادُ، وَيُسَاقُ إِلَيْهِمُ الْقَوْلُ بِطُرُقٍ بَيِّنَةٍ، وَيُؤَكَّدُ بِضُرُوبٍ مِنَ التَّأْكِيدِ تَبْعُدُ بِهِ عَنْ قَبُولِ التَّأْوِيلِ وَالتَّحْوِيلِ، وَكَانَ مِمَّا حُجُّوا بِهِ التَّذْكِيرُ بِحَالِ سَلَفِهِمُ الْأَنْبِيَاءِ وَبِحَالِهِمْ مَعَهُمْ مِنْ عِصْيَانِهِمْ وَإِيذَائِهِمْ بَلْ قَتْلِهِمْ فِي عَهْدِهِمْ، وَالْغُرُورِ بِانْتِظَارِ شَفَاعَتِهِمْ، وَالِاسْتِغْنَاءِ بِهَا مِنْ بَعْدِهِمْ.
ثُمَّ إِنَّ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ) وَمَا بَعْدَهَا مُوَجَّهٌ إِلَى
مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَوَجْهُ الِاتِّصَالِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَتَضَمَّنُ الِاحْتِجَاجَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ بِسَلَفِهِمُ الصَّالِحِ، وَهَذَا يَتَضَمَّنُ الِاحْتِجَاجَ عَلَى مُشْرِكِي قُرَيْشٍ وَأَمْثَالِهِمْ بِسَلَفِهِمُ الصَّالِحِ، فَإِنَّهُمْ يَنْتَسِبُونَ إِلَى إِسْمَاعِيلَ وَإِبْرَاهِيمَ وَيَفْتَخِرُونَ بِأَنَّهُمَا بَنَيَا لَهُمُ الْكَعْبَةَ مَعْبَدَهُمُ الْأَكْبَرَ، وَكَانُوا فِي عَهْدِ التَّنْزِيلِ قَدِ اخْتَلَطُوا بِالْأُمَمِ الْمُجَاوِرَةِ الَّتِي تَعْرِفُ لَهُمْ هَذَا النَّسَبَ.
وَإِنَّكَ لَتَرَى الْكَلَامَ هُنَا جَارِيًا عَلَى طَرِيقَةِ الْإِيجَازِ وَالْإِشَارَةِ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْعَرَبُ مِنْ حِدَّةِ الْفِكْرِ وَصَفَاءِ الْأَذْهَانِ وَدِقَّةِ الْفَهْمِ وَرِقَّةِ الْوِجْدَانِ، عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ تَصْلُحُ حُجَّةً عَلَى الْفَرِيقَيْنِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ كَافَّةً يُجِلُّونَ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَيَعْتَقِدُونَ نُبُوَّتَهُ، وَالْإِسْرَائِيلِيُّونَ مِنْهُمْ يَنْتَسِبُونَ إِلَيْهِ، وَلَكِنَّ الْخِطَابَ فِي قِصَّتِهِ مُوَجَّهٌ إِلَى الْعَرَبِ أَوَّلًا بِالذَّاتِ، فَتِلْكَ حُجَجُ الْقُرْآنِ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِي جَاءَ لِإِصْلَاحِ دِينِهِمْ وَتَرْقِيَتِهِمْ فِيهِ، وَدِينُ اللهِ وَاحِدٌ فِي جَوْهَرِهِ، وَهَذِهِ حُجَجُهُ عَلَى أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْوَثَنِيَّةِ الْخَاصَّةِ الَّتِي جَاءَ لِمَحْوِهَا مِنَ الْأَرْضِ وَإِثْبَاتِ نَقِيضِهَا، وَهُوَ التَّوْحِيدُ وَالتَّنْزِيهُ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 372
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست