responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 401
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِبَيَانِهَا، وَدَعْوَةِ النَّاسِ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَيْهَا، فَيُبَيِّنُ - تَعَالَى - بِتِلْكَ الْمُحَاجَّةِ الْحَقَّ الَّذِي يَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَخَذَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ يُزِيلُ الْمَوَانِعَ وَيُبْطِلُ الشُّبُهَاتِ الْمُعْتَرِضَةَ فِي طَرِيقِ ذَلِكَ الْحَقِّ، فَأَمَرَ نَبِيَّهُ بِمَا تَرَى مِنَ الْحُجَّةِ فِي قَوْلِهِ: (قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللهِ) بِدَعْوَاكُمُ الِاخْتِصَاصَ بِالْقُرْبِ مِنْهُ، وَزَعْمِكُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وَأَنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى، وَمِنْ أَيْنَ جَاءَكُمْ هَذَا الْقُرْبُ وَالِاخْتِصَاصُ بِاللهِ دُونَنَا (وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ) وَرَبُّ الْعَالَمِينَ، فَنِسْبَةُ
الْجَمِيعِ إِلَيْهِ وَاحِدَةٌ: هُوَ الْخَالِقُ وَهُمُ الْمَخْلُوقُونَ، وَهُوَ الرَّبُّ وهُمُ الْمَرْبُوبُونَ، وَإِنَّمَا يَتَفَاضَلُونَ بِالْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ (وَلَنَا أَعْمَالُنَا) الَّتِي تَخْتَصُّ آثَارُهَا بِنَا إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ (وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) كَذَلِكَ، وَرُوحُ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا الْإِخْلَاصُ، فَهُوَ وَحْدَهُ الَّذِي يَجْعَلُهَا مُقَرِّبَةً لِصَاحِبِهَا مِنَ اللهِ وَوَسِيلَةً لِمَرْضَاتِهِ (وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) مِنْ دُونِكُمْ، فَإِنَّكُمُ اتَّكَلْتُمْ عَلَى أَنْسَابِكُمْ وَأَحْسَابِكُمْ، وَاغْتَرَرْتُمْ بِمَا كَانَ مِنْ صَلَاحِ آبَائِكُمْ وَأَجْدَادِكُمْ، وَاتَّخَذْتُمْ لَكُمْ وُسَطَاءَ وَشُفَعَاءَ مِنْهُمْ تَعْتَمِدُونَ عَلَى جَاهِهِمْ، مَعَ انْحِرَافِكُمْ عَنْ صِرَاطِهِمْ، وَمَا هُوَ إِلَّا التَّقَرُّبُ إِلَى اللهِ - تَعَالَى - بِإِحْسَانِ الْأَعْمَالِ، مَعَ الْإِخْلَاصِ الْمَبْنِيِّ عَلَى صِدْقِ الْإِيْمَانِ، وَهُوَ مَا نَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ الْآنَ، فَكَيْفَ تَزْعُمُونَ أَنَّ الْإِدْلَاءَ إِلَى ذَلِكَ السَّلَفِ الصَّالِحِ بِالنَّسَبِ، وَالتَّوَسُّلَ إِلَيْهِمْ بِالْقَوْلِ هُوَ الَّذِي يَنْفَعُ عِنْدَ اللهِ - تَعَالَى - وَأَنَّ الِاسْتِقَامَةَ عَلَى صِرَاطِهِمُ الْمُسْتَقِيمِ وَالتَّوَسُّلَ إِلَى اللهِ - تَعَالَى - بِمَا كَانُوا يَتَوَسَّلُونَ إِلَيْهِ بِهِ مِنْ صَالِحِ الْأَعْمَالِ وَالْإِخْلَاصِ فِي الْقَلْبِ لَا يَنْفَعُ وَلَا يُفِيدُ، وَمَا كَانَ سَلَفُكُمْ مَرْضِيًّا عِنْدَ اللهِ - تَعَالَى - إِلَّا بِهِ؟ هَلْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ مُقَرَّبًا مِنَ اللهِ - تَعَالَى - بِأَبِيهِ (آزَرَ) الْمُشْرِكِ، أَمْ كَانَ قُرْبُهُ وَفَضْلُهُ بِإِخْلَاصِهِ وَإِسْلَامِ قَلْبِهِ إِلَى رَبِّهِ؟ فَكَمَا جَعَلَ اللهُ النُّبُوَّةَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَجَعَلَهُ إِمَامًا لِلنَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ وَالْإِخْلَاصِ جَعَلَهَا كَذَلِكَ فِي مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا صَحَّ لَكُمْ إِنْكَارُ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي سَلَفِهِ الْعَرَبِ أَنْبِيَاءُ فَأَنْكِرُوا نُبُوَّةَ إِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ وَاحِدَةٌ، فَكَيْفَ لَا يَتَّحِدُ الْمَعْلُولُ؟
وَحَاصِلُ مَعْنَى الْآيَةِ: إِبْطَالُ مَعْنَى شُبْهَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وَأَنَّهُ لَا يَنْجُو مَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ طَرِيقَتِهِمْ، وَإِنْ أَحْسَنَ فِي عَمَلِهِ وَأَخْلَصَ فِي قَصْدِهِ، وَأَنَّهُمْ هُمُ النَّاجُونَ الْفَائِزُونَ وَإِنْ أَسَاءُوا عَمَلًا وَنِيَّةً؛ لِأَنَّ أَنْبِيَاءَهُمْ هُمُ الَّذِينَ يُنْجُونَهُمْ وَيُخَلِّصُونَهُمْ بِجَاهِهِمْ، فَالْفَوْزُ عِنْدَهُمْ بِعَمَلِ سَلَفِهِمْ لَا بِصَلَاحِ أَنْفُسِهِمْ وَلَا أَعْمَالِهِمْ، وَهَذَا الِاعْتِقَادُ هَدْمٌ لِدِينِ اللهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ جَمِيعَ أَنْبِيَائِهِ وَدَرَجَ عَلَيْهِ مَنِ اتَّبَعَ سَبِيلَهُمْ، فَإِنَّ رُوحَ الدِّينِ الْإِلَهِيِّ وَمِلَاكَهُ هُوَ التَّوْحِيدُ وَالْإِخْلَاصُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْإِسْلَامِ، وَكُلُّ عَمَلٍ أَمَرَ بِهِ الدِّينُ فَإِنَّمَا الْغَرَضُ مِنْهُ إِصْلَاحُ الْقَلْبِ وَالْعَقْلِ بِسَلَامَةِ الِاعْتِقَادِ وَحُسْنِ الْقَصْدِ، فَإِذَا زَالَ هَذَا الْمَعْنَى وَحُفِظَتْ جَمِيعُ الْأَعْمَالِ الصُّورِيَّةِ فَإِنَّهَا لَا تُفِيدُ شَيْئًا، بَلْ إِنَّهَا تَضُرُّ بِدُونِهِ، لِأَنَّهَا تَشْغَلُ الْإِنْسَانَ بِمَا لَا يُفِيدُ، وَتَصُدُّهُ عَنِ الْمُفِيدِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 401
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست