ذكّرهم بالمنعم فقال {فاذكروني أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] ليتعرفوا من المنعم على النعمة وشتان بين الأمرين.
اللغَة: {بالبر} البِرُّ: سعة الخير والمعروف ومنه البرُّ والبِّرية للسعة، وهو اسم جامع لأعمال الخير، ومنه بر الوالدين وهو طاعتهما وفي الحديث «البِرُّ لا يبلى والذنب لا ينسى» {وَتَنْسَوْنَ} : تتركون والنسيان يأتي بمعنى الترك كقوله {نَسُواْ الله فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67] وهو المراد هنا ويأتي بمعنى ذهاب الشيء من الذاكرة كقوله {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [طه: 115] {تَتْلُونَ} : تقرءون وتدرسون {الخاشعين} الخاشع: المتواضع وأصله من الاستكانة والذل قال الزجاج: الخاشع الذي يرى أثر الذل والخشوع عليه، وخشعت الأصوات: سكنت {يَظُنُّونَ} الظنُّ هنا بمعنى اليقين لا الشك، وهو من الأضداد قال أبو عبيدة: العرب تقول لليقين ظنٌّ، وللشك ظن وقد كثر استعمال الظن بمعنى اليقين ومنه {إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة: 20] {فظنوا أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا} [الكهف: 53] ، {شَفَاعَةٌ} الشفاعة مأخوذة من الشَّفع ضد الوتر، وهي ضم غيرك إلى جاهك وسيلتك ولهذا سميت شفاعة، فهي إِذاً إِظهارٌ لمنزلة الشفيع عند المشفّع {عَدْلٌ} بفتح العين فداء وبكسرها معناه: المِثْل يقال: عِدْل وعديل للذي يماثلك.
المنَاسَبَة: لا تزال الآيات تتحدث عن بني إِسرائيل، وفي هذه الآيات ذمٌ وتوبيخ لهم على سوء صنيعهم، حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه، ويدعون الناس إِلى الهدى والرشاد ولا يتبعونه.
سَبَبُ النّزول: نزلت هذه الآية في بعض علماء اليهود، كانوا يقولون لأقربائهم الذين أسلموا: اثبتوا على دين محمد فإِنه حق، فكانوا يأمرون الناس بالإِيمان ولا يفعلونه.
التفِسير: يخاطب الله أحبار اليهود فيقول لهم على سبيل التقريع والتوبيخ {أَتَأْمُرُونَ الناس بالبر} أي أتدعون الناس إِلى الخير وإِلى الإيمان بمحمد {وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} أي تتركونها فلا تؤمنون ولا تفعلون الخير {وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الكتاب} أي حال كونكم تقرءون التوراة وفيها صفة ونعت محمد عليه السلام {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أي أفلا تفطنون وتفقهون أن ذلك قبيح فترجعون عنه؟! ثم بيَّن لهم تعالى طريق التغلب على الأهواء والشهوات، والتخلص من حب الرياسة وسلطان المال فقال {