المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى ما جبل عليه اليهود، من خبث السريرة ونقض العهود، والتكذيب لرسل الله ومعاداة أوليائه، حتى انتهى بهم الحال إِلى عداوة السفير بين الله وبين خلقه وهو «جبريل» الأمين عليه السلام، أعقب ذلك ببيان أن من عادة اليهود عدم الوفاء بالعقود، وتكذيب الرسل، واتباع طرق الشعوذة والضلال، وفي ذلك تسلية لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حيث سلكوا معه هذه الطريقة، في عدم الأخذ بما انطوى عليه كتاب الله من التبشير ببعثة السراج المنير، وإِلزامهم الإِيمان به واتباعه، فنبذوا الكتاب وراء ظهورهم، واتبعوا ما ألقت إليهم الشياطين من كتب السحر والشعوذة، ونسبوها
الفوَائِد: الأولى: ليس معنى السمع في قوله {واسمعوا} إِدراك القول فقط، بل المراد سماع ما أمروا به في النوراة سماع تدبرٍ وطاعةٍ والتزام فهو مؤكد ومقرر لقوله {خُذُواْ مَآ ءاتيناكم بِقُوَّةٍ} .
الثانية: خصّ القلب بالذكر {نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ} لأنه موضع العقل والعلم وتلقي المعارف كما قال تعالى {لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ} [الحج: 46] .
الثالثة: الحكمة في الإِتيان هنا ب «لن» {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً} وفي الجمعة ب «لا» {وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً} [الآية: 7] أن ادعاءهم هنا أعظم من ادعائهم هناك، فإِنهم ادعوا هنا اختصاصهم بالجنة، وهناك كونهم أولياء لله من دون الناس، فناسب هنا التوكيد بلن المفيدة للنفي في الحاضر والمستقبل، وأما هناك فاكتفى بالنفي.
الرابعة: الآية الكريمة من المعجزات لأنها إِخبار بالغيب وكان الأمر كما أخبر، ويكفي في تحقق هذه المعجزة أن لا يقع تمني الموت من اليهود الذين كانوا في عصره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وفي الحديث الشريف «لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار» .