وإعمال العقل في جمل خلقه، ليستدل العاقل بالأثر على وجود المؤثر، وبالصنعة على عظمة الخالق المدبّر الحكيم.
اللغَة: {وإلهكم} الإِله: المعبود بحقٍ أو باطل والمراد به هنا المعبود بحق وهو الله رب العالمين {الفلك} ما عظم من السفن وهو اسم يطلق على المفرد والجمع {وَبَثَّ} فرَّق ونشر ومنه {كالفراش المبثوث} [القارعة: 4] {دَآبَّةٍ} الدابة في اللغة: كل ما يدب على الأرض من إِنسانٍ ويحوان مأخوذ من الدبيب وهو المشي رويداً وقد خصّه العرف بالحيوان، ويدل على المعنى اللغوي قوله تعالى {والله خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي على رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على أَرْبَعٍ} [النور: 45] فجمع بين الزواحف والإِنسان والحيوان {وَتَصْرِيفِ الرياح} الريّاح: جمع ريح وهي نسيم الهواء، وتصريفُها تقليبها في الجهات ونقلها من حال إِلى حال، فتهب حارة وباردة، وعاصفة ولينة، وملقحة للنبات وعقيماً {المسخر} من التسخير وهو التذليل والتيسير {أَندَاداً} جمع نِدّ وهو المماثل والمراد بها الأوثان والأصنام {الأسباب} جمع سبب وأصله الحبل والمراد به ما يكون بين الناس من روابط كالنسب والصداقة {كَرَّةً} الكرَّة: الرَّجعة والعودة إِلى الحالة التي كان فيها {حَسَرَاتٍ} جمع حسْرة وهي أشد الندم على شيء فائت وفي التنزيل {أَن تَقُولَ نَفْسٌ ياحسرتا على مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ الله} [الزمر: 56] .
سَبَبُ النّزول: عن عطاء قال: أنزلة بالمدينة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ {وإلهكم} فقالت كفار قريش بمكة كيف يسعُ الناس إِلهٌ واحد؟ فأنزل الله تعالى {إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض ... إِلى قوله لآيات لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}
التفسِير: {وإلهكم إله وَاحِدٌ أي إِلهكم المستحق للعبادة إِلهٌ واحد، لا نظير له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله {لاَّ إله إِلاَّ هُوَ الرحمن الرحيم} أي لا معبود بحق إِلا هو جلّ وعلا مُولي النعم ومصدر الإِحسان {إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض} أي إِن في إِبداع السماوات والأرض بما فيهما ن عجائب الصنعة ودلائل القدرة {واختلاف الليل والنهار} أي تعاقبهما بنظام محكم، يأتي الليل فيعقبه النهار، وينسلخ النهار فيعقبه الليل، ويطول النهار ويقصر الليل والعكس {والفلك التي تَجْرِي فِي البحر} أي السفن الضخمة الكبيرة التي تسير في البحر على وجه الماء وهي موقرةٌ بالأثقال {بِمَا يَنفَعُ الناس} أي بما فيه مصالح الناس من أنواع المتاجر والبضائع {وَمَآ أَنزَلَ الله مِنَ السمآء مِن مَّآءٍ} أي وما أنزل الله من السحاب من المطر الذي جاء به حياة البلاد والعباد {فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا} أي أحيا بهذا الماء الزروع والأشجار، بعد أن كانت يابسة مجدبة ليس فيها حبوب ولا ثمار {وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ} أي نشر وفرّق في الأرض ن كل ما يدب عليها من أنواع الدواب، المختلفة في أحجامها وأشكالها وألوانها وأصواتها {وَتَصْرِيفِ الرياح} أي تقليب الرياح في هبوبها جنوباً وشمالاً، حارة وباردة، وليّنة وعاصفة {والسحاب المسخر بَيْنَ السمآء والأرض} أي السحاب المذلّل بقدرة الله، يسير حيث شاء الله وهو يحمل الماء الغزير ثم يصبُّه على الأرض قطرات