responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 118
قَدْ تَقَدَّمَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي قِصَّةِ ذَبْحِ البقرة، فيكون تقدير الكلام: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً إِلَى آخَرِ الْقِصَّةِ، وَبَعْدَهَا: فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها
الْآيَةَ. وَقَالَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: اعْلَمْ أَنَّ وُقُوعَ الْقَتْلِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا لِأَمْرِهِ تَعَالَى بِالذَّبْحِ، فَأَمَّا الْإِخْبَارُ عَنْ وُقُوعِ ذَلِكَ الْقَتْلِ، وَعَنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُضْرَبَ الْقَتِيلُ بِبَعْضِ تِلْكَ الْبَقَرَةِ فَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ قِصَّةِ الْبَقَرَةِ، فَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ هَذِهِ الْقِصَّةُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُتَقَدِّمَةً فِي التِّلَاوَةِ عَلَى الْأُولَى خَطَأٌ، لِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ فِي نَفْسِهَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُتَقَدِّمَةً عَلَى الْأُولَى فِي الْوُجُودِ، فَأَمَّا التَّقَدُّمُ فِي الذِّكْرِ فَغَيْرُ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ تَارَةً يُقَدَّمُ ذِكْرُ السَّبَبِ عَلَى ذِكْرِ الْحُكْمِ، وَأُخْرَى عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُمْ لَمَّا وَقَعَتْ لَهُمْ تِلْكَ الْوَاقِعَةُ أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ، فَلَمَّا ذَبَحُوهَا قَالَ: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا مِنْ قَبْلُ، وَنَسَبَ الْقَتْلَ إِلَيْهِمْ بِكَوْنِ الْقَاتِلِ مِنْهُمْ، وَأَصْلُ ادَّارَأْتُمْ تَدَارَأْتُمْ، ثُمَّ أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الدَّالِ، وَلَمَّا كَانَ الِابْتِدَاءُ بِالْمُدْغَمِ السَّاكِنِ لَا يَجُوزُ زَادُوا أَلِفَ الْوَصْلِ وَمَعْنَى ادَّارَأْتُمْ: اخْتَلَفْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ، لِأَنَّ الْمُتَنَازِعِينَ يَدْرَأُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا:
أَيْ يَدْفَعُهُ، وَمَعْنَى مُخْرِجٌ مُظْهِرٌ: أَيْ مَا كَتَمْتُمْ بَيْنَكُمْ مِنْ أَمْرِ الْقَتْلِ فَاللَّهُ مُظْهِرُهُ لِعِبَادِهِ وَمُبَيِّنُهُ لَهُمْ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْكَلَامِ: أَيْ فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا فَقُلْنَا. وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ الْبَعْضِ الَّذِي أُمِرُوا بِأَنْ يَضْرِبُوا الْقَتِيلَ بِهِ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى ذَلِكَ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْقَوْلِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَيَكْفِينَا أَنْ نَقُولَ: أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِأَنْ يَضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا، فَأَيَّ بَعْضٍ ضَرَبُوا بِهِ فَقَدْ فَعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ، وَمَا زَادَ عَلَى هَذَا فَهُوَ مِنْ فُضُولِ الْعِلْمِ إِذَا لَمْ يَرِدْ بِهِ بُرْهَانٌ. قَوْلُهُ: كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى
فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها
فأحياه الله كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى
أَيْ إِحْيَاءٌ كَمِثْلِ هَذَا الْإِحْيَاءِ. وَيُرِيكُمْ آياتِهِ
أَيْ عَلَامَاتِهِ وَدَلَائِلَهُ الدَّالَّةَ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ، وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِمَنْ حَضَرَ الْقِصَّةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِلْمَوْجُودِينَ عِنْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ. وَالْقَسْوَةُ: الصَّلَابَةُ وَالْيُبْسُ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ خُلُوِّهَا مِنَ الْإِنَابَةِ وَالْإِذْعَانِ لِآيَاتِ اللَّهِ مَعَ وُجُودِ مَا يَقْتَضِي خِلَافَ هَذِهِ الْقَسْوَةِ مِنْ إِحْيَاءِ الْقَتِيلِ وَتَكَلُّمِهِ وَتَعْيِينِهِ لِقَاتِلِهِ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: مِنْ بَعْدِ ذلِكَ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْآيَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلِينِ الْقُلُوبِ وَرِقَّتِهَا. قِيلَ: أَوْ فِي قَوْلِهِ: أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً بِمَعْنَى الْوَاوِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: آثِماً أَوْ كَفُوراً [1] وَقِيلَ هِيَ بِمَعْنَى بَلْ، وَعَلَى أَنَّ «أَوْ» عَلَى أَصْلِهَا أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ، فَالْعَطْفُ عَلَى قَوْلِهِ: كَالْحِجارَةِ أَيْ هَذِهِ الْقُلُوبُ هِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ هِيَ أَشَدُّ قَسْوَةً مِنْهَا، فَشَبِّهُوهَا بِأَيِّ الْأَمْرَيْنِ شِئْتُمْ فَإِنَّكُمْ مُصِيبُونَ فِي هَذَا التَّشْبِيهِ. وَقَدْ أَجَابَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ وُقُوعِ «أَوْ» هَاهُنَا مَعَ كَوْنِهَا للترديد- وهو لَا يَلِيقُ لِعَلَّامِ الْغُيُوبِ- بِثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ. وَإِنَّمَا توصل إلى أفعل التفضيل بأشدّ مَعَ كَوْنِهِ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ وَأَقْسَى مِنَ الْحِجَارَةِ، لِكَوْنِهِ أَبْيَنَ وَأَدَلَّ عَلَى فَرْطِ الْقَسْوَةِ، كَمَا قَالَهُ فِي الْكَشَّافِ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ «أَوْ أَشَدَّ» بِنَصْبِ الدَّالِ، وَكَأَنَّهُ عَطَفَهُ عَلَى الْحِجَارَةِ، فَيَكُونُ أَشَدُّ مَجْرُورًا بِالْفَتْحَةِ. وَقَوْلُهُ: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ إِلَى آخِرِهِ، قَالَ فِي الْكَشَّافِ: إِنَّهُ بَيَانٌ لِفَضْلِ قُلُوبِهِمْ عَلَى الْحِجَارَةِ فِي شِدَّةِ الْقَسْوَةِ وَتَقْرِيرٌ لِقَوْلِهِ:
أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً انْتَهَى. وَفِيهِ أَنَّ مَجِيءَ الْبَيَانِ بِالْوَاوِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَلَا مَأْلُوفٍ، وَالْأَوْلَى جَعْلُ مَا بَعْدَ الْوَاوِ تَذْيِيلًا أَوْ حَالًا. التَّفَجُّرُ: التَّفَتُّحُ، وَقَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُهُ. وَأَصْلُ يَشَّقَّقُ يَتَشَقَّقُ، أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الشين،

[1] الإنسان: 24.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 118
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست